داهم القحطاني: هل سنستمر في اتباع سياسة النأي بالنفس لتجنب الدخول في محاور مكلفة سياسيا وماليا أم سنضطر إلى اتخاذ مواقف مؤيدة للدول المؤثرة في المنطقة

زاوية الكتاب

كتب داهم القحطاني 801 مشاهدات 0


هناك متغيرات تحصل من حولنا في الإقليم يجب الانتباه إليها، والتركيز عليها في نقاشاتنا العامة بدلاً من استهلاك جهودنا وتفكيرنا كله في التطرق لقضايا محلية دائمة التكرر.

هناك انتخابات أميركية مفصلية سينتج عنها إما إدارة جمهورية مستمرة في تأييدها للكيان الصهيوني، وقد تسعى إلى صدام مسلح مع إيران، وعن صدام بالطبع نحن من سيدفع ثمنه بحكم موقفنا المعتدل بين هذين الطرفين المهمين.

هذه الإدارة الجمهورية ستضغط بكل ما لديها من قوة وتأثير لتسريع عملية التطبيع مع إسرائيل، وبالطبع ستعاني الكويت كثيرا من هذه الضغوط التي يتوقع أن تصل إلى مرحلة اعتبار أي رفض للتطبيع عملًا معاديًا للولايات المتحدة.

أو ستنتج عن هذه الانتخابات إدارة ديموقراطية لديها ومنذ الآن توجهات معادية لدول كبرى حليفة في المنطقة، وستعمل هذه الإدارة مرة أخرى على إعادة تأهيل النظام الإيراني عبر تفعيل الاتفاق النووي مع إيران، وعبر جعل إيران وليس دول مجلس التعاون الخليجي، مركز الثقل في التغيير الأميركي الموعود والذي بدأت أميركا به بالفعل خلال السنتين الأخيرتين في عهد الرئيس السابق باراك أوباما.

الظروف الأخرى المحيطة بالكويت ليست مريحة، فالعراق الجار يتحول تدريجيا ليكون نقطة ملتهبة تشكل خطرا على المحيط بعد سلسلة من الإخفاقات التي ضربت الداخل العراقي، وجعلت العراق كله يتحول إلى حالة متكررة من الغضب والرفض للسياسات الحكومية.

العراق سيشكل صداعا كبيرا للكويت، فمن ناحية هناك عدم استقرار داخلي قد ينذر بصراع داخلي تمتد آثاره الخارجية أول ما تمتد إلى الكويت، ومن ناحية هناك التنافس الأميركي الإيراني على النفوذ في العراق، والذي سيجعل العراق نقطة ساخنة على الدوام.

كذلك هناك الصراع السعودي والمصري والإماراتي من جهة مع تركيا، والذي أخذ أشكالا عدة من الصدامات المسلحة غير المباشرة، بدأت في ليبيا، وامتدت إلى مياه البحر الأبيض المتوسط، والمؤمل ألا تمتد هذه الصدامات إلى منطقة الخليج العربي في ظل تواجد قوة تركية في دولة قطر.

هناك أيضا تحديات ستواجه الدبلوماسية الكويتية، وهي التي تتعلق بالضغوط التي يتوقع أن تمارس ضد الكويت دوليا من الدول المتضررة من خطط كويتية تستهدف تقليص أعداد العمالة الوافدة، ورغم أن القرار داخلي وسيادي فإن هذه الدول تعتبر أن هذه القرارات بمنزلة مس باستقرارها الاقتصادي، وحتما ستعمل على إبطالها أو التخفيف من أثرها عبر الضغط على الكويت دبلوماسيا، وممارسة الابتزاز السياسي لاحقا.

هذا تحد مهم بالنسبة للكويت.

وإذا أضفنا إلى هذه التحديات الإقليمية تحديات داخلية أخرى، ومنها محاربة الفساد الذي امتد لكل شيءٍ تقريبا في الكويت، وتنظيم الميزانية العامة استعداداً للأوضاع الاقتصادية السيئة التي سيمر بها العالم كما هو متوقع، فإن الكويت بالفعل تواجه تحديات خارجية وداخلية تتطلب من الحكومة والبرلمان، وقوى المجتمع المدني مواجهتها بهدوء وحكمة وحسن تفكير وتدبير وعبر أجهزة متخصصة، وخبراء قادرين على تقديم البدائل.

لهذا كله يتطلب الأمر وجود تيار فكري وشعبي وسياسي يسعى إلى لفت انتباه القوى الفاعلة في الحكم، والسلطة، والحكومة، والبرلمان، وقوى المجتمع المدني، إلى ضرورة عدم الانشغال بالقضايا الداخلية المتكررة عن هذه القضايا الكبرى التي ذكرناها.

هل سنستمر في اتباع سياسة النأي بالنفس لتجنب الدخول في محاور مكلفة سياسيا وماليا، أم سنضطر إلى اتخاذ مواقف مؤيدة للدول المؤثرة في المنطقة ليكون ذلك ضمانا للأمن والاستقرار، مع تحمل كلفة العواقب إن تعرضت هذه الدول لأي هزات؟

من دون وجود هذا الوعي بأهمية المرحلة، وبضرورة أن تكون الكويت مستعدة لكل المتغيرات الكبيرة التي ستعصف بالمنطقة قريبا، فحتما سنعاني كثيرا، ولن نجد ربما فرصة أخرى للاستعداد ومواجهة هذا الواقع المر.

تعليقات

اكتب تعليقك