داهم القحطاني: مشاركة القوى المعارضة في مجلس 2016 كانت ناجحة نسبيا واستطاعت أن تمنع اختطاف مجلس الأمة كمؤسسة من قبل قوى وتيارات سياسية واجتماعية لم يعرف عنها القدرة أو الرغبة في مواجهة السلطة التنفيذية

زاوية الكتاب

كتب داهم القحطاني 414 مشاهدات 0


لم يعد يتحدث أحد عن مقاطعة الانتخابات البرلمانية في الكويت، فبعد ثماني سنوات من قيام السلطة التنفيذية منفردة بتغيير النظام الانتخابي إلى نظام الصوت الواحد، أصبح هذا النظام رغم الرفض الشعبي الساحق له أمراً واقعاً لا يمكن التخلص منه بسهولة، فهناك نواب حاليون ومرشحون كثر، وتيارات سياسية واجتماعية، رتبوا جميعاً تعاملهم السياسي والانتخابي مع هذا النظام ولم يعد سهلاً تغيير هذا النظام.

حين تم تغيير النظام الانتخابي عبر آلية المرسوم بقانون قاطعت شخصياً أول انتخابات أجريت وفق قانون الصوت الواحد في ديسمبر 2012، ودعوت إلى مقاطعتها، ولكن حين قررت المحكمة الدستورية أن الانتخابات التي أجريت وفق هذا القانون كانت دستورية، قمت بالمشاركة في انتخابات عام 2013، ودعوت قوى المعارضة عبر برنامج تلفزيوني، كنت أقدمه مع زملاء آخرين، إلى عدم الوقوع في فخ المقاطعة.

وحذرت حينها من أن المقاطعة الانتخابية ستؤدي إلى ظهور طبقة سياسية جديدة ستتولى الدفاع عن نظام الصوت الواحد الانتخابي، ليس من أجل عيون السلطة، بل من أجل مصالح ومنافع سياسية وغير سياسية حصلت عليها هذه الطبقة السياسية الجديدة بسبب قانون الصوت الواحد.

وذكرت في مقالات عدة أن هذه الطبقة السياسية الجديدة ستحظى بحماية سياسية واجتماعية من شرائح مجتمعية عدة ترى أن النظام الانتخابي السابق، وهو نظام الـ«أربعة أصوات»، ساهم في تهميشها وفي عدم حصولها على أي فرصة للوصول إلى عضوية مجلس الأمة.

في انتخابات 2013 كادت المعارضة أن تشارك، وبرموزها النيابية من دون استثناء، ما عدا رئيس مجلس الأمة السابق أحمد السعدون وقلة آخرين، كادت أن تشارك تحت شعار «سنهزم الصوت الواحد بالصوت الواحد»، ولكن ونتيجة لدهاء السلطة التنفيذية، وللرفض ذي الصوت العالي لبعض المجاميع الشبابية المعارضة، ولتشدد سياسيين رافضين للمشاركة من حيث المبدأ في نظام الصوت الواحد، تم الوقوع للأسف في فخ المقاطعة، وحصل ما تنبأت به، إذ ظهرت طبقة سياسية جديدة، واستطاعت السيطرة على القرار البرلماني والانتخابي، وأصبحت تتحكم في القوانين والقرارات، وتدافع عن تحكمها في العمل السياسي والبرلماني، وإضافة إلى ذلك قامت بتأمين حماية غير مسبوقة للسلطة التنفيذية من الغضب الشعبي عبر نهج إقصائي تبنى سياسة تجفيف الينابيع واتخذ أسلوب الملاحقات القضائية لإشغال الخصوم في أنفسهم.

في انتخابات عام 2016 تغيّر المشهد في ظل عودة مقاطعين كثر للانتخابات عن قرار المقاطعة، فالحركة الدستورية الإسلامية أعلنت المشاركة عبر مرشحيها من نواب مجلس الأمة المبطل بحكم المحكمة الدستورية والمنتخب في فبراير 2012، ومنهم جمعان الحربش، ومحمد الدلال، وأسامة الشاهين، وحمد المطر.

كما أعلن نواب سابقون ومرشحون محسوبون على القوى المعارضة المشاركة في الانتخابات، ومنهم وليد الطبطبائي، ومحمد هايف المطيري، والحميدي السبيعي، ومحمد المطير، وشعيب المويزري وآخرون.

النواب الذين تبنوا الطرح المعارض لم ينجحوا في إنهاء ملفات مهمة كانت على رأس قائمة وعودهم الانتخابية، ومنها تغيير النظام الانتخابي، وعودة الجناسي المسحوبة من بعض السياسيين والنشطاء لأسباب سياسية، وإصدار عفو سياسي شامل، وإقرار قانون يؤكد وجهة النظر القانونية التي تفيد بأن قرارات سحب الجناسي تخضع لرقابة القضاء.

رغم كل ذلك فإنهم نجحوا في تحقيق إنجازات جزئية في بعض هذه الملفات، ومن ذلك عودة الجناسي إلى معظم من سحبت منهم، والنجاح في جعل قضية العفو العام عن السجناء السياسيين، والمغتربين لأسباب سياسية، تحظى بأولوية في مجلس الأمة، حيث تم طرحها وبقوة ولمرتين، كما نجحوا في إبقاء الصوت المعارض حاضراً وبقوة، وكذلك نجحوا في وقف كثير من محاولات استهداف المعارضين والنشطاء السياسيين.

واستطاعوا كذلك أن يواجهوا، وإن لم ينجحوا بشكل تام، الموجة الجارفة التي تصاعدت بداية عمل مجلس 2016 لتقليص الحريات العامة، وتضييق الخناق على كل رأي معارض للطبقة السياسية الجدية وحكومتها الموالية لها، إلى أن تغيرت الظروف السياسية وعاد المشهد السياسي للتبدل الكامل لتتحول الكويت كلها إلى حالة من المعارضة عبر سلطة الرأي العام، ما ساهم في إقصاء الحكومة السابقة ورئيسها، وبالتالي يتم وقف مشاريع خطرة وصل بعضها إلى التحضير لتنقيح الدستور بهدف التراجع عن كثير من المكاسب الدستورية للشعب الكويتي.

المعادلة المهمة في المشهد الانتخابي الحالي ستعتمد على مدى حيوية الناخبين الكويتيين في المشاركة وبقوة في الانتخابات، وعدم الوقوع مرة أخرى في فخ المقاطعة، وهو ما روج له مع الأسف بعض الطامحين سياسياً حين يروجون لخطاب سياسي محبط لا يترك لأي مجتهد أو ناشط فرصة القيام بأي خطوة للتصدي لكل هذا الفساد الممنهج.

لا نتكلم هنا عمن يطرح خيار المقاطعة الانتخابية ضمن طرح سياسي منطقي، بل نتحدث عمن لا يملكون سوى الخطاب المسرف في «الشعبوية».

حسب تقييمي، إن مشاركة القوى المعارضة في مجلس 2016 كانت ناجحة نسبيا، واستطاعت أن تمنع اختطاف مجلس الأمة كمؤسسة من قبل قوى وتيارات سياسية واجتماعية لم يعرف عنها القدرة أو الرغبة في مواجهة السلطة التنفيذية في مسائل تتخذ فيها السلطة مواقف سلبية ضد الحريات العامة والمكتسبات الشعبية، وكانت تقليدياً تفضل الدخول معها في تحالفات قصيرة المدى تحقق لهذه القوى ولقواعدها الانتخابية مكاسب ذات طابع خدماتي وانتخابي.

بالطبع هناك من قاطع نتيجة لمبدأ عدم المشاركة في برلمان تشكل نتيجة قانون انتخاب صممته السلطة التنفيذية، وهو طرح محترم ومفيد، ولكن الزمن تجاوز هذا الطرح فحجم المتغيرات في القضايا، وفي اللاعبين الرئيسيين والمساندين، جعل المشهد السياسي يختلف كثيراً، ويتطلب الأمر معه القيام بجهود ميدانية وعدم الاكتفاء بالندوات والتصريحات السياسية، فالموقف السياسي الذي لا يتم تأكيده وتعزيزه على الأرض يبقى دوما غير مؤثر، مهما تصور البعض أنه يمكن أن يعيد الأوضاع إلى ما قبل قانون الصوت الواحد عبر سلسلة تغريدات أو ندوات سياسية فقط.

المعادلة الثانية التي ستؤثر على نتائج انتخابات 2020، ستكون قدرة المرشحين على تقديم خطاب سياسي يتميز بالاطلاع والوعي وتغليب المصلحة العامة، وفي الوقت نفسه يتضح فيه التصدي بقوة ومن دون تردد ضد أي محاولة يقوم بها أي طرف، بما في ذلك السلطة لسرقة الانتخابات ودفعها إلى أن تكون مجرد انتخابات تقوم على التجاذبات الطائفية والقبلية والأسرية والحزبية.

الحكومة الحالية التي يقودها للمرة الأولى صباح الخالد ستحدد مصيرها مع مجلس 2020 المنتخب حسب تعاملها مع العملية الانتخابية، فإن أدارت الانتخابات بحيادية ونزاهة، وكانت صارمة ضد عمليات شراء الأصوات، وقامت بفرض تطبيق القوانين التي تمنع تأثير المال السياسي والإعلاني والإعلامي على تصويت الناخبين، فستحظى هذه الحكومة بعلاقة أكثر من جيدة مع مجلس الأمة الجديد.

انتخابات 2020 ستكون معركة طاحنة، فسلطة الرأي العام، ممثلة بتغريدات الكويتيين في تطبيق تويتر، وبمقاطع تطبيق الواتس أب، ستلعب دوراً مهماً في تحديد عدد لا يستهان به من النواب الجدد، في حين ستخضع نتائج أخرى للتصويت التقليدي الذي ينظر للانتخابات البرلمانية كوسيلة للحفاظ على نفوذ ومصالح الحزب، والطائفة، والمذهب، والعائلة.

الصراع بين التغريدة و«الفزعة» سيشكل طبيعة مجلس الأمة 2020.

تعليقات

اكتب تعليقك