داهم القحطاني: الكويت التي حماها شعبها من أقسى احتلال في العصر الحديث لن يسمح هذا الشعب بأن تختطف من قبل الفاسدين الذين غدروا بالكويت مرة أخرى حين شنوا عليها حربهم الفاسدة من أجل أموال قذرة وزائلة
زاوية الكتابكتب داهم القحطاني أغسطس 4, 2020, 11:32 م 844 مشاهدات 0
ذكريات الغزو العراقي الغاشم مرة وأليمة، فليس هناك أقسى من أنك ترى أعداءك وهم يدنسون تراب بلادك بحقدهم وعبثيتهم، ثم يعتبرون أن كل ذلك يتم من أجل تحرير فلسطين، تلك القضية العادلة التي استخدمها الطغاة العرب من أجل أن تكون ستاراً يخفون خلفه ظلمهم وجبروتهم ضد شعوبهم.
صدام حسين هذا البلطجي الذي وصل للحكم في العراق عن طريق سلاح الاغتيالات، وعبر التنسيق مع الاستخبارات الأميركية عبر عملائها في بيروت، هذا الطاغية الذي يعتز به بعض الحمقى يبقى مجرد دكتاتور قاتل فتك بشعبه ثم امتد غدره إلى جيرانه، ولو كانت فيه ذرة عروبة لم يكن ليغدر بالجار لكنه بعيد كل البعد عن شيم العروبة.
الكويت وشعبها والمقيمون فيها فوجئوا في الثاني من أغسطس 1990 بجيش متكامل بدباباته وصواريخه ومدرعاته ومئات الآلاف من جنوده يقوم بأقذر عملية غزو في عصرنا الحديث، ورغم مقاومة الجيش الكويتي البطل في مواقع عدة فإن الكثرة تغلب الشجاعة فسيطر الغزاة الغادرون وأسقطوا كل معنى للعروبة، وبدا الشعب الكويتي في مواجهة هذه الآلة الحربية الضخمة التي يقودها مجموعة من الطغاة.
في الساعات الأولى للغزو العراقي تفاوتت ردود الأفعال، فهناك من الكويتيين من ذهب للتطوع في قواعد الجيش الكويتي، وهناك من تعرضت منطقته السكنية للقصف الصاروخي فذهب بأسرته إلى مناطق آمنة، وهناك من جلس في بيته ينتظر وهو مذهول من المشهد المرعب.
انتهى اليوم الأول والكويتيون بين شهداء دافعوا عن أرضهم وعرضهم أمام عدو مستبد، وبين أسرى لدى جيش فًقد كل قيم الكرامة والعزة العربية، وبين مقاومة آخذة في التشكل لمقاومة العدو المحتل، ولإدارة شؤون البلد بعد سقوط الحكومة، وبين مجاميع عبرت الحدود للسعودية بحثاً عن الأمان.
في صبيحة هذا اليوم المشؤوم أيقظتني أختي، التي تكبرني بسنة وهي تردد: «العراقيين دشوا علينا»، فكانت صدمتي الكبرى وأنا أسمع إذاعة الكويت ومذيعها يستنجد بالعرب ضد غدر الجار العربي، وخلال ذلك سمعنا أصوات قصف صاروخي، وصواريخ مضادة تتصدى له مما جعل الجميع يعيش في رعب لم نشهده من قبل.
على الفور اتصلت على صديقي نواف العتيبي، وقررنا الذهاب فوراً إلى مخفر المنطقة لاستطلاع الوضع، ولمعرفة كيفية التصدي لهذا الغزو، فوجدنا الشرطة يقولون ليست لدينا معلومات، فقررنا التوجه إلى اللواء 15 التابع للجيش الكويتي، الذي يقع في منطقة عريفجان للمشاركة في التصدي للجيش الغازي.
حين وصلنا هناك كنا من أوائل من حضر من آلاف من رجال وشباب الكويت الذين طلبوا من الضباط تزويدهم بالسلاح، وأتذكر أنني وجدت آنذاك الصديق الجار المرحوم عبدالله بداح العتيبي - رحمه الله - ومعه أخوه الصديق والجار فالح بداح العتيبي يبحثان مثلنا عن أي قطعة سلاح لمقاومة الغزاة.
بعد ساعات طويلة قام الضباط بتوزيع الأسلحة التي لديهم، وقاموا بالبدء بتدريب المدنيين الكويتيين على استخدامها، في حين طلبوا ممن لم يحصلوا على سلاح العودة إلى منازلهم.
كنت من المحظوظين أنا وصديقي نواف العتيبي، حيث حصلنا على بنادق آلية تسمى بالذاتية، وبدأنا نخضع لتدريبات مكثفة لاستخدامها.
خلال تلك الساعات وحينها كان الوقت الرابعة عصراً، كنا نتابع الأخبار، وندرك أن المسألة ليست كما كنا نظن حين قدمنا لمعسكر الجيش، فما يحصل للكويت كان غزوا عسكريا شاملا وليس مجرد مناوشات على الحدود.
في السابعة مساء استمعنا لخطاب الشيخ سعد العبدالله وشعرنا بالاطمئنان لنجاة سمو الأمير من الغزاة.
في المجموعة العسكرية التي كنت ضمنها وجدت صديقين لنا نجحا في الحصول على سلاح، وهما سعود علي العجمي وهو من جيراننا في الأحمدي، والصديق سيف الهملان العجمي، وهو حالياً عقيد في الجيش الكويتي، كما تواجد في مجموعة أخرى شقيقه عيد الهملان، حيث كان عسكرياً في الجيش الكويتي.
في الساعة 11 ليلاً صدرت أوامر مهمة لمجموعتنا التي يقودها ضباط وجنود في الجيش تقتضي الذهاب عبر شاحنتين عسكريتين لمخزن الذخيرة الذي يقع أمام القاعدة البحرية في طريق السفر السريع لإحضار صناديق الذخيرة، فذهبنا في طريق مخطور إلى أن استطعنا الوصول للموقع وتحميل الصناديق والعودة عبر طريق بري للواء 15.
وصلنا إلى اللواء 15 قبيل الفجر بساعة فأخذنا غفوة بسيطة قبل أن يطلب الضباط منا الاستعداد لمواجهة الجيش العراقي الذي أخذ يحتشد حول اللواء قبيل فجر الجمعة.
وبالفعل تم توزيعي ضمن مجموعة جنود عند سور اللواء الشرقي، وحولنا مدرعة خفيفة يقودها عسكري كان قد شارك في الحروب العربية ضد إسرائيل.
رأينا الدبابات العراقية وهي تقترب، وأتذكر أن العسكري الذي يقود المدرعة الخفيفة التي تم توزيعي معه، وهو في أواخر الأربعينيات من عمره، يقوم بتمشيط شاربه ويغني القصائد الحماسية، فسألته وأنا المدني الذي تحول خلال أقل من 16 ساعة إلى مقاتل، ألا تشعر بالخوف في هذا الموقف؟ فرد «العمر واحد يا ولدي وحنا ما خفنا من اليهود عشان نخاف من العراقيين».
لحظتها مات الخوف في قلبي وتمنيت أن يبدأ القتال لنطهر أرضنا من هذا الدنس.
لكننا فوجئنا بأن العراقيين أرسلوا ضابطاً على دراجة نارية تشبه التي كانت تستخدم في الحرب العالمية، حيث بها كرسي للمرافق ليتبادل التحية العسكرية مع الضابط الكويتي ويسلمه طلباً لاستسلام الجيش الكويتي.
ضباط اللواء 15 وبعد تقييم الموقف، وبعد أن تبين لهم أن الكويت سقطت بالكامل، وأن اللواء 15 هو القوة الكويتية الوحيدة المتبقية ضد مئات الآلاف من الجنود العراقيين، اتخذوا قراراً حكيماً بالاستسلام حسب التقاليد العسكرية مع اشتراط مغادرة المدنيين الذين التحقوا بالجيش الكويتي وعدم أسرهم.
حينها طلب منا الضباط تسليم الأسلحة حتى لا نتعرض للأذى إن تم تفتيشنا خلال المغادرة، وطلبوا منا مغادرة اللواء إلى بيوتنا، ورغم رفضنا وإصرارنا على البقاء أجبرونا على المغادرة، وهم يقولون نحن سيتم أسرنا، وأنتم ستكون لديكم فرصة أخرى لمقاومة العدو العراقي.
غادرنا ونحن نشعر بالحزن والألم ونحن نغادر اللواء 15 من دون أن نتمكن من التصدي للعدو العراقي على الحدود كما نظن.
وزاد الحزن والأسى ونحن نرى وحدات الجيش العراقي وهي تتجمع وتنتشر في طريق السفر السريع، وعلى مداخل المدن ومنها مدينة الأحمدي حيث كنت وما زلت أسكن.
هذه قصة لم أكتب عنها من قبل، ولم أذكرها كثيراً إلا للمقربين مني، ولاحقاً لأولادي وبناتي، وهي قصة عادية ولا تساوي شيئاً أمام الآلاف من الأبطال والبطلات الذين قدموا دماءهم وحياتهم فداء لبلدنا الغالية الكويت.
أروي هذه القصة لأقول للجميع إن الكويت التي حماها شعبها من أقسى احتلال في العصر الحديث، لن يسمح هذا الشعب بأن تختطف من قبل الفاسدين الذين غدروا بالكويت مرة أخرى حين شنوا عليها حربهم الفاسدة من أجل أموال قذرة وزائلة. وسنتصدى لهم بكل ما أوتينا من قوة، وسنهزمهم كما هزمنا النظام العراقي ودكتاتورهم البائس.
تعليقات