د.فيصل الشريفي: للفساد وجهان إداري ومالي ولكي تسيطر على الثاني فلابد من تطهير الأول من خلال وضع الشخص المناسب في المكان المناسب
زاوية الكتابكتب د. فيصل الشريفي يونيو 22, 2020, 11:05 م 790 مشاهدات 0
للفساد وجهان إداري ومالي، ولكي تسيطر على الثاني فلابد من تطهير الأول من خلال وضع الشخص المناسب في المكان المناسب، فالفساد يتمدد ووراءه جيش مزروع في كل مؤسسات الدولة، ومكافحته تتطلب رجلا قويا أمينا لا يخاف في الله لومة لائم يقوم بنزع الفاسدين وخلعهم من أماكنهم وقطع دابرهم.
أثناء فترة تشطيب بيت السكن اتفقنا أنا وجيراني في المنطقة على أن من يجد عمالة ماهرة يوصي بها الآخرون، فكان من بينها مقاول يمتهن صنعة النجارة استطاع أن يوقع عقوداً ابتدائية مع الغالبية بعدما تحصل على ثقتهم بسبب جودته ودقته وسرعته في إنجاز العمل، ولكني وبسبب سفري خرجت من حسبته.
عند عودتي سألت حارس بيت جاري عن هذا المقاول النجار فكانت الإجابة "صار له كم يوم غائب"، وأنه تسلم من الغالبية 200 دينار مبلغا مقدما، وأن عدة الشغل الخاصة بالنجار موجودة إذا حاب تشوفها؟ طلعت أشوف عدة الشغل والمفاجأة أنها كانت عبارة عن منشار وفأرة وخيط وأشياء كلها على بعضها البعض لا تساوي أكثر من 20 ديناراً، والمضحك أن الحارس يقول "دحنا ماسكينه" فسألته كيف ذلك؟ رد علي بكل ثقة "ما تبص حضرتك دي العدة كلها قدامك".
ضحكت ساعتها ومشيت لكني اليوم عندما أتذكر هذا الموقف أقف حائراً من كم التصريحات والوعود التي تطلقها الحكومة والبرلمان، وإلى عدد لجان التحقيق التي شكلت لأجل الكشف عن سراق المال العام، ومع ذلك لم نسمع عن محاسبة أي من الفاسدين الكبار إلا ذلك البنغالي الذي استطاع أن يسرح ويمرح في كل مؤسسات الدولة ليصبح من أصحاب الملايين ومن عامل إلى نائب في بلده.
إن كان عامل وافد بسيط استطاع أن يلعب فيكم كم سنة، واشترى وباع شوارب مسؤولين، فعن أي فساد تتحدثون؟ أتريدوننا أن نصدق أنكم جادون في المحاسبة وحرامي التأمينات حر طليق، ومليارات "الداو" طارت بلا رجعة، والتعدي على المال العام لا يكاد يوم يمر إلا وهناك شبهات تطول أغلب العقود، وتعيينات بغير وجه حق، وغسل للأموال برعاية الفاشينيستات آخرها فضيحة الماليزي، فعن أي فساد تتحدثون؟
مكافحة الفساد تتطلب رجلا قويا أمينا لا يخاف في الله لومة لائم، نظيف اليد والسريرة، مخلصا لوطنه، لا يهمه الكرسي الذي يجلس عليه، ولا يخاف من قوي إلا الله، ولا يرتجي إلا رضا الله.
الفساد له وجهان إداري ومالي، ولكي تسيطر على الثاني فلابد من تطهير الأول من خلال وضع الشخص المناسب في المكان المناسب، فالفساد يتمدد ووراءه جيش مزروع في كل مؤسسات الدولة، والحل فقط في نزع الفاسدين وخلعهم من أماكنهم وقطع دابرهم، والوصول إلى ذلك ليس صعباً، فـ"البعرة تدل على البعير" والمعنى في بطن الشاعر.
آخر نقطة، عندما تفيض مواقع التواصل الاجتماعي بكم التشاؤم على مستقبل الوطن دون أن نجد تحركاً جاداً لوقف الفساد ألا يدعونا ذلك إلى التوقف والرجوع إلى المربع الأول بالسؤال عن رعاة الفساد وعن أي فساد نتحدث؟
ودمتم سالمين.
تعليقات