سهر:خلك على مجنونك
زاوية الكتابكتب أغسطس 21, 2007, 10:30 ص 496 مشاهدات 0
الإصلاح السياسي في العقلية أم في النظام؟
بات من الواضح أن العلاقة بين السلطتين تعيش حالة من حالات التدهور، ومن
الواضح جدا أننا نعيش أزمة الاداء العام للدولة، وثمن ذلك كلة يأتي تباعا
وتراكما على حساب الوطن والمواطنين. وإزاء ذلك تعدد الحديث وكثر بشأن الاصلاح
السياسي الذي يمكن من خلاله تنفيذ عملية إنقاذ أداء الدولة من الانحدار.
البعض إزاء هذه المشكلة يطرح التعديل في لعبة النظام السياسي سواء عبر
التعديل الدستوري بما يتواءم مع متطلبات واستحقاقات المرحلة والتطور
الديموقراطي الذي مرت به الكويت، والبعض الآخر يرى ان ليس هنالك أي مثالب
تحيط بالدستور، بل إن المشكلة تنحصر في العقليات التي تتعامل مع الدستور
والديموقراطية، مما يتعين معه اجراء تغييرات عليها بما يتلاءم مع المرحلة. في
كل من الرأيين تشعبات ومناظير مختلفة وربما متعارضة إلى حد السيف إذا جاز
التعبير. فمثلا يختلف المصطفون خلف الرأي الأول المتمثل في ضرورة التعديل
الدستوري بين من يرى أن الدستور يجب أن يتم تعديله إلى المزيد من الحريات
وزيادة مأسسة الديموقراطية عبر سلسلة من التعديلات التي تتيح للاحزاب
السياسية العمل بصفة قانونية، وان تشكل الأغلبية البرلمانية السلطة
التنفيذية، علاوة على أن يكون منصب رئاسة الوزراء مسنودا إلى شخصية من خارج
أسرة الصباح. وفي المقابل يرى البعض الآخر أن التعديل الدستوري يجب أن يتناول
نقاط الضعف التي ساهمت في تعزيز الصراع بين السلطتين، وإيجاد آليات واضحة
لتعاونهما عبر فك عمليات تداخل الاختصاصات والسلطات، إلى جانب تقنين آليات
الرقابة ومنع التعسف في استخدامها، على اعتبار أن الاستجوابات هي التي شكلت
رافدا رئيسا للتأزم بين السلطتين. وبين هذين الرأيين آراء متعددة ومتداخلة في
متشابهاتها واختلافاتها، لكن الجميع يؤكد أن هنالك حالة غير صحية تتطلب
الإصلاح السياسي.
شخصيا اعتقد أن لدينا مشكلة في العقليات بالدرجة الأولى، وحتى لو تم تعديل
الدستور على أي حال ولم تغير تلك العقليات، فلن نجني شيئا. العقليات التي
تخشى التغيير، والعقليات التي لا تدرك استحقاقات الوقت ومتطلبات المرحلة،
والعقليات التي لاتزال تعيش مرحلة الماضي، والعقليات التي دائما تلجأ إلى
امتهان شخصنة القضايا، والعقليات الاستهلاكية التي تهتم أكثر بما يطلبه
المستهلكون من المواطنين، والعقليات التي تسعى إلى مأسسة الهوية الثانية مثل
الفئوية والطائفية والقبلية على حساب المواطنة الصالحة، والعقليات التي لا
تكترث بتطبيق القانون، والعقليات التي لا ترى في الديموقراطية إلا ترفا أو
مسلكا لتمرير مصالح خاصة، كل تلكم العقليات يجب ان تتغير وتدرك ان لكل امر
أجلا ولكل ساعة من الزمان ظروفا مختلفة ولكل دولة رجالا.
إزاء هذه الحالة هناك مسارات محتملة يجب التعرض لها ومعرفة تكاليفها حتى يمكن
الخلاص إلى واحدة منها لتأمين عملية الإنقاذ المطلوبة لوطننا. هناك من يطرح
الحل غير الدستوري حتى ولو لفترة للتمكن من تعديل الأوضاع، وإعطاء فرصة
للتفكير الهادئ في المستقبل، وللمضي في مشاريع الدولة المعطلة. لهذا المسار
بطبيعة الحال عواقب وخيمة تلحق اضرارا بالغة بالوطن، علاوة على أنها قد تجعل
الوضع أكثر سلبية وقد تعيد المعارضة إلى الشوارع، ما يجعل استعادة
الديموقراطية خيارا شعبيا يرغم السلطة على أمر يجعلها أكثر ضعفا. أما المسار
الآخر فهو الداعي إلى «خلك على مجنونك» فهو شبيه بحقن منع الآلام التي تؤجل
الوضع لمشكلة قادمة أكثر فداحة. المسار الثالث وهو المعمول به منذ فترة الذي
يتراوح بين حل دستوري تارة وتغيير وزاري تارة أخرى، اثبت عدم فاعليته، مادامت
العقليات المتعاملة مع الشأن العام لم تتغير. هنالك مسار رابع، لكنه يتطلب
الجرأة، يصعب تناول تفاصيله في هذه السطور المحكومة بمساحة محددة، لكن يمكن
اختصارة بالقول إن ثقافة جديدة يجب أن تتسيد الموقف السياسي، وان يتم تشييد
هذه الثقافة على أساس تغييرات رئيسة في أركان اللعبة السياسية، ومن ذلك ان
تشكل الأغلبية البرلمانية أغلبية السلطة التنفيذية. في كل الاحوال فإن الأمر
يتطلب الجرأة فالوضع لا يمكن السكوت عنه.
د.عبدالله سهر
الوسط
تعليقات