مبارك الجري يشرح إشكالية تصنيف حركة النهضة التونسية : جماعة إخوانية أم مجرد تقارب فكري لا يعني التبعية ؟
زاوية الكتابكتب مبارك الجري أكتوبر 8, 2019, 10:14 ص 700 مشاهدات 0
القبس
لاحظت وقوع بعض الدراسات والكتابات التي تناولت حركة النهضة التونسية في إشكالية التصنيف، فبعضها يؤكد علاقتها العضوية بجماعة الإخوان المسلمين من دون تقديم أي دليل يؤكد على مبايعتها للتنظيم، وأخرى تنفي هذه العلاقة من دون إثبات ذلك.
والحقيقة أن هناك مراحل مهمة يمكن من خلالها تتبع طبيعة علاقة حركة النهضة بجماعة الإخوان المسلمين:
أولاها: مرحلة النشأة والطبيعة الدعوية (١٩٦٩ – ١٩٧٨): وهي ردة فعل لانطلاق مشروع بورقيبة التحديثي وما نتج عنه من تحولات اقتصادية زادت من حدة الفوارق الاجتماعية، وتحولات ثقافية أثرت سلباً بمكونات الهوية الوطنية وبمقدمتها الإسلام.
وأعتقد أن الملامح الدعوية الأولى قد تشكلت في هذه المرحلة لمقاومة مشروع بورقيبة التحديثي، وكان النشاط الدعوي مدخلاً أساسياً للحقل السياسي في تونس. في هذه الفترة تأثرت الحركة بمجموعة متنوعة من الأفكار والتجارب (كالسلفية، والدعوة والتبليغ، والإخوان المسلمين).
وثانيتها: مرحلة المراجعات الفكرية وتجاوز أفكار الإخوان المسلمين (١٩٧٨ – ١٩٨٧)، والتأقلم مع الواقع الثقافي والسياسي التونسي، خصوصاً بعد انتفاضة العمال عام ١٩٧٨ التي كشفت عن ضعف فهم الحركة للواقع الاجتماعي التونسي وطبيعته، وهذا ناتج من الانشغال بمسار الدعوة وبأفكار مستوردة جزء كبير منها لم يهضمها المجتمع التونسي.
وفي مقارنة سريعة ما بين أفكار سيد قطب ومالك بن نبي، قال لي الغنوشي في لقاء جمعني معه بمقر الحركة: بسبب التعارض الكبير ما بين أفكار مالك بن نبي وسيد قطب، خصوصاً في ما يتعلّق بموضوع الحضارة، انحزت إلى الأول لعمق اطروحاته التي تناولت مسألة الحضارة والتقدم والتخلف مقارنة بأفكار الأخير ومدرسة الإخوان المسلمين التي لا تقدم المساعدة المطلوبة، ولا تعين على الاندماج وحسن التأقلم في بيئتنا التونسية.
ويمكن القول إن أهم عنوان لهذه المرحلة هو تونسة الأفكار من أجل البقاء والاستمرار.
وثالثتها: مرحلة التكيف والمشاركة السياسية (١٩٨٧ – ١٩٩١) بعد انقلاب زين العابدين بن علي على الحبيب بورقيبة في نوفمبر ١٩٨٧. تعد هذه الفترة القصيرة بمنزلة انفراجة سياسية مؤقتة للحركة وغيرها من الأحزاب السياسية، حيث سمح لها النظام الجديد - بغية إضفاء الشرعية على حكمه - بنهاية عام ١٩٨٨ بالمشاركة في المجلس الأعلى للميثاق الذي وضع الدستور الجديد لتونس، واعترف بعضوية الحركة في المجلس الإسلامي الأعلى في بداية ١٩٨٩، فضلاً عن السماح لها بالمشاركة في الانتخابات البرلمانية ١٩٨٩.
وعلى الرغم من تزوير النظام نتائج هذه الانتخابات التي اتضحت فيها قوة حركة النهضة السياسية، فإن هذه المرحلة قدمت لها فرصة مهمة للاحتكاك بالمكونات السياسية الأخرى، وفهم الواقع السياسي بشكل أكبر مقارنة بالحقبة البورقيبية.
وفي هذه المرحلة كان التمايز واضحاً ما بين حركة النهضة وجماعة الإخوان المسلمين، وهذا ما طمأن نظام بن علي في بداية الأمر.
ورابعتها: مرحلة التشرذم والسجون والمنفى (١٩٩١ – ٢٠١١). وفي نقاش حول أهمية هذه المرحلة، ذكر الباحث السياسي المغربي بلال التليدي: ان الحركة في سياق المنفى حاولت أن تفك عزلتها من خلال تجسير العلاقة مع عدد من المكونات السياسية، سواء القومية في إطار المؤتمر القومي الإسلامي، أو الديموقراطية كما حدث في علاقتها مع اليسار (المرزوقي) لمواجهة نظام بن علي، أو الحركية الإسلامية من خلال علاقتها بحسن الترابي في السودان والإخوان المسلمين في لندن.
المراحل الأربع السابقة توضح مسألة غاية الأهمية، وهي أن الأزمات التي مرت بها حركة النهضة التونسية قربتها من جماعة الإخوان المسلمين، كأزمة الهوية والتغريب في حقبة الحبيب بورقيبة، وأزمة انسداد الأفق السياسي في حقبة بن علي، وهاتان الأزمتان لم يعد لهما وجود ما بعد الثورة التونسية، وهي المرحلة الخامسة التي دخلت فيها حركة النهضة إلى تجربة الحكم في ٢٠١١ وتنازلت عنه في ٢٠١٤، ولكنها احتفظت في نفس الوقت بموقعها السياسي القوي في خريطة القوى السياسية التونسية، بخلاف حالة الإخوان المسلمين في مصر بعد ما حدث في يوليو ٢٠١٣.
أما المرحلة السادسة (٢٠١٤ – وحتى الآن)، فهي أكثر المراحل التي راجعت فيها الحركة مسارها الفكري وخطها السياسي، ولكن هذه المرة ليس من خارج المجال السياسي التونسي، بل عبر التجربة والمشاركة السياسية سواء في الحكم أو البرلمان.
من يقارن خطاب الحركة في هذه المرحلة بالمراحل السابقة سيلاحظ حجم التغييرات التي طرأت عليها، خصوصاً بعد مؤتمرها العاشر في مايو ٢٠١٦، وتأكيد رئيسها راشد الغنوشي في أكثر من مناسبة أن الحركة لم تعد تمثل الإسلام السياسي، وليست جزءاً من الإخوان المسلمين، بل هي حركة تونسية، وهذا ما أكد عليه الرئيس السابق الباجي القائد السبسي في أحد لقاءاته مع «قناة نسمة التونسية».
ست مراحل لا يمكن فصلها عن بعض، وهي ممتلئة بالتحولات الفكرية والسياسية، والتي تؤكد أن التأثر بأفكار الإخوان المسلمين هو نتاج لإقصاء الحركة. أما الاندماج في البيئة السياسية وحرية المشاركة، ففرضا عليها تجاوز الوافد المشرقي، وتبيئة الأفكار، أو كما يقول الغنوشي «كل فكر يدخل إلى تونس يتتونس».
مبارك الجري باحث دكتوراه كويتي ناقش في رسالة الماجستير موضوع
(تحولات الإسلام السياسي (حركة النهضة التونسية أنموذجا ١٩٧١ - ٢٠١٤م)
تعليقات