#جريدة_الآن فيصل الغيص : المشكل النووي..لماذا إيران؟

زاوية الكتاب

كتب الآن - القبس 795 مشاهدات 0



القبس
يدور تساؤل في ذهن كثير من المتابعين للتأزّم ما بين الولايات المتحدة وإيران. لماذا إيران بالتحديد؟
كلما شرع أحد البلدان غير النووية بأنشطة نووية غير عادية تدعو للشك، كالسعي لتطوير أسلحة نووية، فإن المجتمع الدولي، وأحياناً مجلس الأمن الدولي، يتدخّل لمنع ذلك. ولقد واجه العالم هذه المشكلة مع إيران، حينما بدأت تقتني وتطور برامج وأبحاثاً نووية مكثّفة، علاوة على تطوير منظومة صواريخ بعيدة المدى. فجرى فرض عقوبات اقتصادية عليها وتجميد كثير من أصولها المالية في المصارف الغربية، ما سبّب أوضاعاً اقتصادية صعبة فيها. وإيران ليست الحالة الأولى، فقبلها كان العراق وكوريا الشمالية.
وفي سنة 2015، توصّلت الحكومة الإيرانية إلى اتفاق مع الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي وألمانيا إلى ما أصبح يعرف بالاتفاق الإيراني النووي، هدفه الحد من طموحات إيران النووية مقابل رفع العقوبات الاقتصادية عنها. لكن هذا الاتفاق جاء ناقصاً لأسباب عدة، أهمها ــــ في رأيي ــــ: أولاً، سياسة النفس الطويل ودهاء المفاوضين الإيرانيين. ثانياً، قابل ذلك موقف ليّن من جانب الأوروبيين وإدارة الرئيس أوباما في الولايات المتحدة. ثالثاً، وجود روسيا والصين طرفين في الاتفاق، وكلتاهما قريبتان سياسياً من إيران، علاوة على أن روسيا هي مورّد رئيس لبرنامج إيران النووي.
ويعترف الغرب بأن هذا الاتفاق ليس «مثالياً»، لكنه أفضل الممكن، وفق قولهم. ولم تكلف الدول الست نفسها عناء التشاور حوله مع جيران إيران، كونهم المعنيين مباشرة بالخطر النووي والعسكري الإيراني.
والآن، ماذا يعيب الاتفاق مع إيران؟
إن أهم عيوب هذا الاتفاق هو أنه لم يعالج كل مصادر الخطر الذي تشكّله إيران على جيرانها، وعلى السلم الإقليمي والدولي، بل اقتصر على مصدر واحد فقط، هو السلاح النووي، وحتى هذا يتضمّن عيوباً ونواقص؛ سآتي على ذكرها لاحقاً.
إن الخطر الإيراني ثلاثي الأبعاد؛ فعلاوة على الجانب النووي هناك ملفان آخران شائكان لم يعالجهما الاتفاق المذكور: برنامج تطوير الصواريخ البالستية البعيدة المدى وتدخّلات إيران في الشؤون الداخلية لبلدان الإقليم ــــ باعتراف المسؤولين الإيرانيين ــــ ومبدأ تصدير الثورة الإسلامية. لقد رأت الدول الست التي فاوضت إيران ـــ خطأ ـــ الاكتفاء بمعالجة ملف واحد فقط (أي النووي) من هذه الملفات الثلاثة، إرضاءً للمفاوض الإيراني الشرس، ولضمان التوصّل الى اتفاق مع طهران بأي ثمن.
وإذا قصرنا بحثنا على الموضوع النووي، فما أهم العيوب الهيكلية في الاتفاق الذي جرى توقيعه؟
أولاً: صحيح أنه خفّض نسبة تخصيب اليورانيوم المسموح بها لإيران إلى %4.5، لكنه لم يخفّض حجم مخزونها من اليورانيوم المتدني التخصيب بدرجة كافية، وفق رأي كثير من الخبراء المتخصصين؛ إذ سمح لها بالاحتفاظ بثلاثمئة كلغ من هذه المادة الخام الأساسية لصنع القنبلة النووية.
ثانياً: يرى متخصصون أيضا أن الاتفاق لم يخفض عدد الطاردات المركزية لدى إيران بالقدر الكافي، إذ سمح لها بالاحتفاظ بــ6104 طاردات من أصل 19000. وكما هو معلوم فإن الطاردة المركزية هي الجهاز الذي يستخدم في تدوير وتخصيب مادة اليورانيوم. وربما تتأكد صحة القول ان هذا العدد يزيد على احتياجات إيران السلمية من تهديدات مسؤوليها الأخيرة بأن ترفع نسبة التخصيب الى %20 إذا لم تتوصّل إلى اتفاق مع الولايات المتحدة.
ثالثاً: مطلوب من إيران بموجب هذا الاتفاق الانضمام الى البروتوكول الإضافي لنظام الضمانات، الذي كان لدولة الكويت دور فعّال في وضعه وصياغته، والذي أعطى الوكالة الدولية للطاقة الذرية الحق بإجراء عمليات تفتيش مفاجئة ومن دون إعلان مسبق على أي موقع نووي، معلنا كان أو مشتبها بوجوده، وليس على المواقع المعلنة فقط كما كان الحال في السابق، لتفادي حدوث عمليات تلاعب ومراوغة وإخفاء، كتلك التي مارسها العراق بعد تحرير الكويت. لكن إيران، التي وقّعت هذا البروتوكول في سنة 2003، لم تصادق عليه حتى الآن، وبعد أربع سنوات من توصّلها إلى الاتفاق النووي مع الدول الست.
رابعاً، يفرض الاتفاق النووي هذه القيود على إيران ـــــ الرقابة وحجم مخزونها من اليورانيوم وعدد الطاردات المركزية.. إلخ ـــــ لمدة 15 عاماً فقط من توقيع الاتفاق، تصبح إيران بعدها طليقة اليد عمليا.
إن الاتفاق الذي عُقد مع طهران، فيه عوار بائن، ولم يعالج حتى الملف الإيراني النووي نفسه بشكل جيد. وهناك حاجة ماسة في رأيي لاستبدال اتفاق أشمل به، يعالج مصادر الخطر الإيراني الثلاثة: السلاح النووي والسلاح البالستي، وسياسة التدخل الخارجي. وهذا هو سبب انسحاب الولايات المتحدة من هذا الاتفاق وسعيها لمعالجة أوجه الخلل فيه وتقويمه واستكمال عناصره، من خلال مفاوضات جديدة. وبينما يتّفق الأوروبيون مع الأميركان على وجوب منع إيران من امتلاك سلاح نووي فإنهم يرون صعوبة فتح مفاوضات جديدة مع إيران ويفضلون الاكتفاء بالاتفاق الذي جرى إبرامه.
نتمنى أن يظل الخليج في منأى عن الحروب والتوترات، بقدر ما نتمنى أن تركّز حكومة الجمهورية الإسلامية جهودها على الشأن الداخلي وتنمية ورفاه شعبها العظيم وأن تستبدل أسلحتها الحربية بأسلحة حسن الجوار والتعاون واحترام سيادة الآخرين، وأن تنسجم مع محيطها الإقليمي والدولي.. أم سيظل هذا مجرد فرضيات نظرية وأضغاث أحلام محرمة؟

تعليقات

اكتب تعليقك