#جريدة_الآن د. سليمان الخضاري: نتمنى من سياسيي هذه البلاد أن يرحموها وأن يرحموا شبابها من احتمالات الصراعات الطائفية

زاوية الكتاب

كتب سليمان إبراهيم الخضاري 951 مشاهدات 0


الراي

من يتابع حسابنا المتواضع على موقع التواصل الاجتماعي «تويتر»، سيفهم تماماً بعض أبعاد الهجوم الشخصي الذي تعرضت له وبعض أفراد أسرتي من فريق يعتبر نفسه من «المؤمنين» السائرين على نهج الحسين عليه السلام لمجرد انتقادي لقرار اللجنة التشريعية في مجلس الأمة بالموافقة على اعتبار يوم عاشوراء عطلة رسمية في القطاع الأهلي، واعتبار هذا القرار من القرارات الـ«شعبوية» التي تمتاز بها السنة الأخيرة من عمر المجالس النيابية!
باختصار، تتمتع قضية كربلاء ويوم عاشوراء برمزية كبيرة في نفوس الكثير من المسلمين سنة وشيعة، ولكن الصراحة تجبرنا على أن نقول إن رمزية يوم عاشوراء قد تكون أكبر عند الطرف الشيعي، والأسباب واضحة والاسهاب في شرحها سيكون مما لا يحتاجه القارئ، فمراسم العزاء في عاشوراء أضحت من الطقوس التي يتسم بها المذهب الشيعي، وإن كانت النفوس الطيبة من جميع المذاهب والأديان ما زالت تحترم هذه الملحمة العظيمة بتفاصيلها، بل وإنني أعلم شخصياً بمساهمة الكثيرين من غير الشيعة في مراسم عاشوراء من مجالس وتوزيع للطعام وغيرها.
هذه الرمزية يحاول البعض الاستثمار فيها لأسباب قد يعتقد ضرورتها الدينية، وهنالك من يحاول الاستثمار فيها لأسباب نفعية خالصة لا علاقة للاعتبارات الدينية فيها ولا تتعدى تسجيل النقاط السياسية، وكأني بالحسين عليه السلام ذاته يحدثنا عن هذه الفئة تحديدا عندما قال: «إِنَّ النَّاسَ عَبِيدُ الدُّنْيَا، وَالدِّينُ لَعْقٌ عَلَى أَلْسِنَتِهِمْ يَحُوطُونَهُ مَا دَرَّتْ مَعَايِشُهُمْ فَإِذَا مُحِّصُوا بِالْبَلَاءِ قَلَّ الدَّيَّانُونَ».
إنني أرى في ما أقدمت عليه اللجنة التشريعية في مجلس الأمة ودون الدخول في نوايا أعضائها خطأ كبيراً ولا نريد أن نقول مزايدة سياسية ذات أهداف انتخابية، فالكويت جبلت على احترام ذكرى عاشوراء وجميعنا يعلم أن هنالك ما تشبه الموافقة الضمنية للدولة على إعفاء من يريد من العمل في يوم عاشوراء، بل إن الكثير من المؤسسات التعليمية تقوم بتعديل تواريخ امتحاناتها أحيانا لكي تسمح للطلبة بإحياء هذه المناسبة العظيمة، ونعم، هنالك بعض الحوادث الشاذة التي يفتعلها بعض المتشددين هنا وهناك من مضايقة لبعض من يتغيب عن العمل يوم عاشوراء، لكنها وكلنا يعلم حوادث فردية لا علاقة لها بتسامح الدولة ذاتها مع الغياب في هذا اليوم في جميع أجهزة الدولة، كما أن معلوماتي تشير إلى أن الغالبية الساحقة من المؤسسات الأهلية تلتزم بتوجهات الدولة «غير المكتوبة» بغياب العاملين فيها يوم عاشوراء للأسباب ذاتها.
إن محاولة فرض يوم عاشوراء عطلة رسمية سواء في القطاع الحكومي أو في القطاع الأهلي، سيصطدم مع الواقع الذي يرى في المناسبة على احترامها من جميع الأطراف مناسبة خاصة بشكل أكبر بالمذهب الشيعي، وسيستدعي الكثير من عناصر التشدد في الطرف الآخر لشحن الشارع في قضية لا حاجة البتة لإثارتها، لأننا نمارسها وبشكل فعلي منذ نشأة الدولة، فمتشددو الطرف الآخر سيصورون الموضوع وكأنه صراع على هوية الدولة مذهبياً، وهو ما لا نحتاجه ولا نعتبره أولوية ذات جدية في ظل القضايا الأخرى التي يئن منها المواطنون وتوحدهم المعاناة فيها، كقضايا الفساد وقضايا الناس المعيشية، ناهيك عن أن من يطالب بالعطلة إياها يدرك تماما بعض الصعوبات العملية التي تعتري الموضوع من زاوية تحديد يوم عاشوراء، وهل يكون مع تقويم الدولة أو خلافه!
ختاما، نتمنى من سياسيي هذه البلاد أن يرحموها وأن يرحموا شبابها من احتمالات الصراعات الطائفية، خصوصاً إن كانت القضية لا تحتمل كل هذه الإثارة، ولمن هاجمني شخصياً ووجه سهام نقده لأفراد أسرتي، خصوصاً من نساء أسرتي لاختلافه السياسي معي في هذه القضية وهو يدعي «وصلاً» بالحسين عليه السلام فكراً ومنهجاً، نقول لهم ما قاله الحسين عليه السلام يوم عاشوراء حين هجم معسكر الأعداء على حرمه وهو ما زال حيا رغم جراحه المثخنة:
إن لم يكن لكم دين، وكنتم لا تخافون المعاد، فكونوا أحرارا في دنياكم، فناداه شمر بن ذي الجوشن فقال: ما تقول يا ابن فاطمة؟ قال: أقول: أنا الذي أقاتلكم، وتقاتلوني، والنساء ليس عليهن جناح فامنعوا عتاتكم عن التعرض لحرمي ما دمت حيا، فقال شمر: لك هذا، ثم صاح شمر: إليكم عن حرم الرجل، فاقصدوه في نفسه.
فأتمنى أن تتأسوا بالحسين عليه السلام، و ألا يكون الشمر أكثر مروءة منكم... واتركوا عنكم تقمص شخصية الشمر والتمظهر في شكل الحسين!

تعليقات

اكتب تعليقك