#جريدة_الآن "ليختنشتاين".... مسيرة ثلاثة قرون من الاستقرار السياسي

عربي و دولي

الآن - كونا 483 مشاهدات 0



تعتبر إمارة (ليختنشتاين) التي تحتفل هذا العام بالذكرى ال300 لتأسيسها هي الإمارة الوحيدة في العالم التي تحمل اسم عائلة أسرتها الحاكمة وحافظت على استقرارها طيلة هذه الفترة.
ويعود تاريخ هذه الإمارة إلى ما قبل تأسيسها ولم تكن تحمل اسم الأسرة الحاكمة بل كانت تابعة للامبراطورية الرومانية منذ عام 15 قبل الميلاد ضمن ولاية (ريتيان) التي كانت تضم مناطق شاسعة من غرب النمسا حاليا.
وظهر الاهتمام بها في القرن الأول الميلادي لاستغلالها كاستراحة لجيوش الرومان التي كانت تعبر أراضي تلك المنطقة من مدينة (ميلانو) الإيطالية إلى مدينة (بريغنز) النمساوية.
وغابت تلك المنطقة الجغرافية المسماة الآن (ليختنشتاين) عن سجلات التاريخ حتى انهارت الإمبراطورية الرومانية فضمتها (الإمبراطورية الفرنكية) التي سادت في وسط أوروبا بين القرنين الخامس والتاسع الميلادي وبدأت بالاهتمام بتسجيل ما في تلك المنطقة من بشر وحيوانات وأسماء القرى والمناطق الآهلة بالسكان.
ومثلما هو الحال مع الإمبراطوريات والممالك في تلك الحقبة تفككت أوصال تلك الإمبراطورية أيضا وانتقلت المنطقة إلى حكم كونت (بريغنز) النمساوي لتذهب في طي النسيان مجددا ثم تظهر مرة أخرى في عام 1342 أثناء تقاسمها بين النبلاء فيتعرف التاريخ للمرة الأولى على مدينة (فادوتس) العاصمة الحالية للامارة كوحدة إدارية وتجمع سكاني مستقل تحت إمرة كونت مونفور من نبلاء القرون الوسطى آنذاك.
وفي خضم الحروب التي سادت وسط أوروبا في القرون الوسطى تمزقت تلك المنطقة لاسيما حرب (زيورخ) في عام 1444 ثم حرب (شفاب) عام 1500 فانتشر الفقر في تلك المنطقة وغلفها النسيان إلى حين فنزح من سكانها من نزح مع قبائل الجرمانيين التي رحلت عن المنطقة وبقي من بقي يسعى إلى قوت يومه من الزراعة والرعي.
وتركت تلك الحروب بصماتها السلبية على المنطقة وتكبد إمبراطوريات وسط أوروبا خسائر فادحة فلم يجد الإمبراطور كارل السادس حينها أمامه من مفر سوى بيع مدينة (فادوتس) وما حولها إلى أسرة هانز آدم فون ليختنشتاين الذي كان يقيم وقتها في النمسا فنصب نفسه أميرا عليها ومنح تلك الأراضي اسم أسرته معلنا ميلاد (إمارة ليختنشتاين) عام 1719 لتصبح أول إمارة أوروبية تحمل اسم أسرة أميرها.
لم تكن الأمارة الوليدة ذات بأس وقوة كافيتين فبقيت مطمعا لكل جيش يعبر القارة الأوروبية فمكثت بها القوات الفرنسية عام 1799 إلى أن وضع نابليون بونابارت عام 1806 اتفاقية منطقة نهر (راين) معترفا بإمارة (ليختنشتاين) كيانا مستقلا تحت سيطرة الأمير هانز آدم الأول.
وعاشت الأمارة نصف قرن من الاستقرار بعيدا عن عواصف السياسة وتقلباتها التي طافت بالقارة الأوروبية في القرن ال19 إلى أن وقعت مع النمسا عام 1852 أول اتفاقية لترتيب المعاملات الجمركية بين البلدين فانتعشت الحركة الاقتصادية في البلاد نوعا ما.
وتميزت الإمارة بالحياد السياسي وسط إمبراطوريات أوروبا القوية وحرصت الأسرة الحاكمة على وضع أول دستور لها في عام 1862 ثم ركزت مواردها المالية المحدودة في الزراعة وصناعة النسيج لتصل إلى الاكتفاء الذاتي بالكاد.
وساهم حياد الإمارة السياسي في أن تبقى بعيدة عن نيران الحربين العالميتين الأولى والثانية ونظرت إلى جارتها الغربية سويسرا مستفيدة من تجربتها في الحياد السياسي فقامت بتعديل بوصلتها السياسية لتتخلص من اتفاقياتها مع النمسا وتوقع أخرى مع سويسرا.
وما عزز من مكانة الإمارة أوروبا في ذلك الوقت هو رفض أميرها أنذاك فرانتس جوزيف الثاني الفكر النازي جملة وتفصيلا وعزز من تعاون الإمارة مع سويسرا واعتمد الفرنك عملة رسمية للامارة ما ساعد في استقطاب شركات ومؤسسات آثرت الابتعاد عن آتون الحرب والفكر النازي لتنجو من تبعاته.
ويتفق جميع المؤرخين على أن تلك الخطوة كانت فاتحة عهد جديد على إمارة (ليختنشتاين) فبدأت تعرف الانتعاش الاقتصادي وتخرج من شرنقة ضيق المشهد الاقتصادي إلى آفاق اقتصادية أوسع وتشق طريق النمو في هدوء وبعيدا عن صخب الأضواء.
ويعزو الكثير من المؤرخين الاستقرار السياسي الذي عاشته الإمارة أيضا إلى تقاسم أميرها هانز آدم الثاني السلطة مع الشعب من خلال الدستور بعد تعديله عام 1921 وموافقته على قيام برلمان منتخب ديمقراطيا.
ورغم الاستقرار السياسي والحياد التام إلا أن سكان الإمارة رفضوا الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي ولم يوافقوا على الالتحاق بالأمم المتحدة إلا في عام 1990 في إطار انفتاح سياسي مع مختلفة دول العالم.
ومن اللافت للنظر أيضا أن نساء (ليختنشتاين) لم يحصلن على حق المشاركة في الحياة السياسية من تصويت وانتخاب وترشيح في البرلمان إلا في عام 1984.
وتتميز الحياة في تلك الإمارة بالهدوء الشديد وبشاشة وجوه سكانها الذين يبدون كأفراد عائلة كبيرة إذ تنعكس عليهم طبيعة الحياة المستقرة في الإمارة فتشعر وأنت في شوارعها بأنك وسط إمارة جمعت بين الاستقرار السياسي والنجاح الاقتصادي وجمال الطبيعة.
وتوصف إمارة (ليختنشتاين) بأنها الأغنى في أوروبا بسبب تصنيفها كصاحبة ثاني أعلى ناتج محلي إجمالي للشخص الواحد في العالم من حيث تعادل القدرة الشرائية وتمثل ديونها الخارجية أدني معدل في العالم وفق بيانات صندوق النقد الدولي.
ولا تعرف الإمارة مشكلة البطالة بين قواها العاملة إذ لا تتجاوز نسبة البطالة بينهم سوى 5ر1 بالمئة مع ناتج محلي إجمالي للأمارة حوالي ستة مليارات دولار ليكون نصيب الفرد منها أكثر من مئة ألف دولار وفق تقديرات عام 2016.
وتعتبر تلك الإمارة القابعة بالكامل في أحضان جبال الألب الوحيدة التي تستقبلك من شمالها بواديان نهر (راين) وتودعك بعد 41 كيلومترا بقمة جبل (نافكوبف) على نقطة حدودها المشتركة مع كل من النمسا وسويسرا بارتفاع 2570 مترا فوق سطح البحر.
ومن تلك المساحة الصغيرة التي لا تتجاوز 5ر160 كيلومتر مربع اختار سكان الإمارة البالغ عددهم 36 الف نسمة 11 بالمئة من تلك الأراضي ليسكنوها بينما تحتل الغابات 44 بالمئة منها وتغطي المزارع 33 بالمئة أما النسبة الباقية فهي أراض بكر غير مستغلة.

تعليقات

اكتب تعليقك