#جريدة_الآن خليل علي حيدر: هل يظهر "عائض قرني" كويتي؟!
زاوية الكتابكتب خليل علي حيدر مايو 29, 2019, 11:07 م 951 مشاهدات 0
الجريدة
لا ينبغي للقيادات والأقلام الإسلامية من الإخوان والسلف وغيرهم في الكويت، أن تنتقد ما جاء في مقابلة الشيخ السعودي والإسلامي المعروف "د.عائض القرني"، وإعلانه "البراءة من ممارسات الصحوة" هناك، واعتذاره للشعب السعودي، فما لاقاه الناس في المملكة على امتداد هذه "الصحوة" لم يكن بالقليل.
موقف الداعية الدكتور عايض القرني في اعتقادي أفضل وأخلص من موقف الكثير من الإسلاميين الكويتيين، وحتى رفاقه الدعاة في المملكة ممن لم يقدموا على هذه الخطوة المتحضرة الشجاعة، فهؤلاء جميعاً قد يراهنون على عودة سنوات ربيع الصحوة، وانقضاء "المحنة" التي يجدون أنفسهم فيها اليوم.
أحد هذه المقالات الكويتية يقول إن "الشيخ عايض لم ولن يكون آخر المشايخ الذين يتساقطون في الطريق"، في حين يعدد المقال الآخر "إنجازات ومكاسب الصحوة، رغم وجود الأخطاء، لأن الأخطاء تحدث فالدعاة والسياسيون بشر".
ولكن إن كان أتباع المناهج الإسلامية والصحوة والسلفية عرضة للأخطاء والمنزلقات نفسها كدعاة وساسة، فما الذي يميزهم عن الليبراليين والعلمانيين إذاً؟ ولماذا كانوا "جيلاً قرآنياً فريداً" وغير ذلك؟
ثم أين الكتابات الإسلامية الكويتية التي تشرح ما جرى في مصر وما حدث للربيع العربي- الإسلامي فيها وفي دول عربية أخرى؟ بل حتى الداعية "فتحي يكن" الذي كتب كتاباً معروفاً بعنوان "المتساقطون على طريق الدعوة"، صار إمام جمعة في "حزب الله" في إحدى المناسبات.
إن ما حدث في المملكة العربية السعودية منذ عام 1980 أو 1990، تلك الدولة القيادية، ذات الأهمية الأساسية في توفير أمن المنطقة، وضامنة الاستقرار لأهل السنة والطائفة الشيعية في المنطقة الخليجية خاصة، يستحق وقفة كبرى من الإسلاميين الخليجيين جميعاً، وقفة نقدية شجاعة للذات والممارسات!
ما حدث في تلك الدولة على مدى عقدين وأزيد من حصار للحريات الاجتماعية، وتشدد ديني في الإفتاء، وهيمنة على مناهج التعليم، وخنق للإعلام والفكر، وما أعقب ذلك من انطلاق نشاطات إرهابية استهدفت الدولة والحكومة، ومساجد السنّة والشيعة ومناطق الجميع ومساكنهم، وسقوط مئات القتلى والجرحى في المجمعات السكنية والمساجد ونقاط الحراسة... إلخ! ألا يستحق ذلك كله حتى وقفة اعتذار؟
يقول الباحث السعودي "فهد الشقيران" في مقال بعنوان "الصحوة بالسعودية... وقائع مدوية" متحدثاً عن تلك السنوات: "رزح المجتمع طوال ثلاثة عقود تحت سلطة الصحوة القاهرة، فقد كانت وكأنها دولة موازية للأسف، إذ إن لها نفوذها في مؤسسات التعليم والدعوة والإعلام، تحوّل المجتمع إلى ثكنة دعوية ضخمة، كل شيء صار مهيمناً عليه من قبل الصحوة، وقسم المجتمع إلى قسمين، من ينتمي إليهم عملاً وشكلاً وأسلوباً، والقسم الآخر هم المنبوذون من حليقي اللحى، وسامعي الأغاني، ومسبلي الثياب، والذين يعتبرونهم مجرد زوائد تمشي على الأرض، وأن بينهم وبين النار شهقة الموت، وهم في الآخر حطب جهنم... القرني قام باعتذار باسم الصحوة للمجتمع السعودي، وكشف عن وقائع ومعلومات مدوية".
وقال في نهاية المقال: "حسناً فعل القرني، باعتذاره للمجتمع، وأتمنى أن تلحقه اعتذارات البقية، فالإرهاب النفسي الذي مورس على المجتمع راحت ضحاياه أسر وعائلات، ودكّت حصون وقلاع، واحترق آلاف الشباب في معارك مجنونة منذ أفغانستان والشيشان والبوسنة والهرسك والصومال والعراق وسورية".
(الشرق الأوسط 10/ 5/ 2019)
رغم الدوي الهائل لاعتذار د. القرني في برنامج "الليوان" على قناة "روتانا الخليجية" في التلفاز، حيث أكد د. القرني، كما جاء في الإنترنت، اعتذاره باسم رجال الصحوة جميعاً الحاضر منهم والغائب، موضحا أنه "الآن مع الإسلام المنفتح على العالم والوسطي المعتدل الذي نادى به- الأمير- محمد بن سلمان، وهاجم وسائل الإعلام التي تصفه بأنه "عالم السلطان"، كما هاجم الإخوان المسلمين وقطر والرئيس التركي"
(موقع الجزيرة 21/ 5/ 2019).
لفت اعتذار د. القرني أنظار الباحثين إلى الكتابات السعودية النقدية في هذا المجال! ويشير الكاتب "يوسف الديني" إلى بحث ناقد للصحوة نُشر قبل نحو عشرة أعوام، ويقول في تقييمه، "وفي ظني أن واحدة من أهم المراجعات في تاريخ الإسلام السياسي والعنف في السعودية كانت لأستاذ العقيدة المتخصص، الشيخ عبدالعزيز الحميدي، قبل نحو العقد، تحديداً في عام 2010، وقد تم توثيقها في 6 حلقات بثت على شاشة التلفزة السعودية، وأعدها واحدة من أهم الوثائق اليوم في جدال الفكر المتطرف من داخله، فهي لا تبدو كتلك المراجعات العابرة لأسباب كثيرة تتعلق بتخصص الشيخ وسابقته في العلم الشرعي ومؤلفاته التي يمكن لأي باحث أن يرى فيها المتانة العلمية، إضافة إلى أن مراجعاته التي بدأها بحديث مطول عن مسائل حساسة تتصل بموضوع الولاء والبراء، والموقف من غير المسلمين في البلدان الإسلامية، ومسألة ضوابط "النصرة"... إلخ".
ويرى الكاتب "يوسف الديني" أن مراجعات د.الحميدي قد "تميزت بأنها آتية من خلفية متخصصة، حيث ناقش أدلة التكفيريين بشكل تفصيلي وبخاصة ما يتعلق منها بملف الولاء والبراء".
ويرى الديني كذلك أن د. الحميدي قام بدور أخطر! فيضيف: الدور الأهم لمراجعات الحميدي، هو أنه جادل أهم شخصية علمية في الخطاب الجهادي المسلح، وهو أبو محمد المقدسي، وحسب الباحثة المرموقة كارين أرمسترونغ، التي اعتبرت أن ملهم الفكر الأصولي في العصر الحديث هو سيد قطب، إلا أن من مزج هذا الفكر بنكهة جهادية متطرفة هو أبو محمد المقدسي عبر تطويعه للنصوص والاقتباسات لرموز المدرسة السلفية، لتأييد أفكاره الخاصة عن الواقع الحالي.
الحميدي قام بنقد المقدسي في أهم كتبه، التي بُني عليها الجانب التكفيري داخل الجماعات الجهادية، (ملة إبراهيم)؛ تلك الجماعات التي كانت في بداياتها مترددة بشأن تكفير الأنظمة في بدايات مرحلة أفغانستان، وقبل اندماجها مع مقاتلين من كل العالم. وحسب د. الحميدي، فإن ما فعله المقدسي وآخرون هو استخدام أدوات الخطاب السلفي الشائع نفسها، ومدارسه، ورموزه، لكن بتحوير نصوصهم لصالح نتائجه، وأن ذلك تم بطريقة انتقائية في غاية المكر والتلبيس على غير المتخصصين".
(الشرق الأوسط، 14/ 5/ 2019 - مقال: مراجعات الصحوة والعنف... قراءة مغايرة).
وفي تقرير بعنوان "الصحوة في السعودية.. أفول وهج آخر للإسلام السياسي"، تقول الصحيفة نفسها مايلي: "بدأ وهج "الصحوة الإسلامية" الذي كانت تحتمي به طوال عقود بالأفول، بعد أن استمر في التصاعد والمقاومة للجسد السياسي للدولة السعودية منذ تأسيسها حتى عهد قريب، ليأتي اعتذار الدكتور عائض القرني أحد أبرز وجوه الصحوة في الثمانينيات والتسعينيات أول من أمس، في برنامج تلفزيوني، كالقنبلة التي فجرت كل شيء". (8/ 5/ 2019).
وفي مجال إضعاف الجماعات الإسلامية للدولة تنبأ الكاتب "فايز سارة" بأن "الجماعات الإسلامية على بوابة محنة" وقال: "لعل سياسة "حزب الله" اللبناني مثال قريب لجهة إضعاف الدولة اللبنانية وتهميشها، وتصعيد النزاعات الطائفية، ويقارب مثال حزب الله حال جماعة "الإخوان المسلمين" في اليمن المنضوية في إطار تحالف يجمعها مع الحوثيين وإيران". ويضيف الكاتب: "والمثالان يعكسان بعض خطايا وأخطاء تتابعها الجماعات الإسلامية، ما يجعلها هدفاً في حرب شاملة لا تقتصر على الولايات المتحدة والدول الغريبة، إنما أكثرية دول العالم". (16/ 5/ 2019).
هل ستدوم الجفوة الحالية بين الإسلاميين والحكومات الخليجية وغيرها؟ لا أعتقد ذلك، وقناعتي أن الأوضاع "ستتعدل" لصالحهم ثانية، فمؤسسات "الصحوة" السياسية والمالية والاجتماعية قوية راسخة، وقد استقطبت منذ عقود مصالح النخب الحاكمة والتجارية. والمجتمعات العربية والإسلامية غير مهيأة سياسياً وثقافة ووعياً لتجاوز الجماعات الإسلامية، وبخاصة في المنطقة الخليجية، كما أن من المستبعد أن تستقر السياسة الإيرانية أو تنتهي الصراعات الطائفية.
ولا نعرف حتى الآن نتائج الأزمة الحالية بين "الجمهورية الإسلامية" و"الولايات المتحدة" وفي أي اتجاه ستسير إيران ودول المنطقة، وما سيحدث في العراق وسورية واليمن وغيرها!
قدم الإخوان والسلف أنفسهم للمجتمعات الخليجية والعربية كرواد للإسلام "الوسطي المعتدل"، وقد انخدع بهذا الشعار من انخدع، واستفاد منه ولا يزال من استفاد، وارتاب بمقاصده من ارتاب.
ولقد أنقذت السعودية شعبها في اللحظة الأخيرة من أن تلتهمه الصحوة والتشدد الديني، وقدمت بذلك هدية وخدمة لأبناء شعبها الذي عانى الكثير من تسلط رجال الصحوة، كما كتب ويكتب السعوديون اليوم.
ونسأل: لماذا لا تحاول الحركة الإسلامية في الكويت أن تكون لها كذلك "مراجعاتها"؟ فهي كما تعترف ليست بلا أخطاء أو خطايا، وليس صحيحاً أن كل ما قامت به كان رائعا، وإضافة نهضوية و"في ميزان حسناتها"! فالمجتمع الكويتي اليوم مثلا، ومنذ صعود الإسلاميين السنّة والشيعة، بعد 1967 أو 1970، أشد طائفية من أي وقت مضى، والتظاهر بين الناس بالتدين أقوى من الورع، والبحث عن "الحيل الشرعية"، في الشركات والمصارف الإسلامية يمارس باستمرار، وكان للتيار الديني تأثيره السلبي ولايزال على التعليم العام والجامعي، إذ لا يمكن اعتبار كلية الشريعة مثلا من محاضن "الإسلام المعتدل"، وربما تمردت حتى على سلفية "إحياء التراث" وجماعة الإخوان.
ولم تتأثر المرأة السعودية بالجو الاجتماعي المتشدد الذي فرضته "الصحوة" فحسب وصادرت بذلك الكثير من حرياتها، بل حرمتها كذلك من حرية الحركة والتنقل بالسيارة وقيادتها لمركبتها، مما جعل حياة المدرسات والطبيبات والموظفات وحتى ربات المنزل تجابه مشاكل كثيرة، كما وقعت حوادث وإصابات قاتلة لبعض المدرسات ورغم عدم وجود أي أساس شرعي لهذا المنع، إلا أن مشايخ الصحوة ودعاتها ساندوا هذا الحرمان أو سكتوا عنه.
ولم تكن هذه هي الحال في الكويت لحسن حظ النساء، ولكن لو كان الإخوان والسلف والتيار الديني عام 1950، عندما تأسست الكويت المعاصرة كدولة حديثة وصدرت قوانينها، بقوة التيار نفسها في العقود اللاحقة، فلربما أثر ذلك بشدة على مواد الدستور الكويتي بقيود أوثق، أو كان على المرأة أن تطالب بحق العمل وحق السفر، وحق الدراسة، وحق قيادة الدراجة والسيارة!
ولربما رأينا الإخوان والسلف مؤيدين أو منقسمين في هذه الموانع، وبخاصة إذا تذكرنا موقف الإسلاميين إزاء إعطاء المرأة حق الانتخاب في مجلس الأمة، إذ كان إسلاميو دول العالم يحثون الكويتيين على الموافقة لعدم وجود مانع، وكان بعض الكويتيين من الإسلاميين يصرح علناً أن "لا مانع شرعي لهذه الحقوق" ولكن الأعراف الاجتماعية لا تقرها!
وما إن تم إقرارها، وانفتح المجال للاستفادة من الصوت النسائي في الانتخابات البرلمانية حتى كان الإسلاميون من كل جماعة ومذهب في مقدمة المستفيدين. ولقد طالب الإسلاميون طويلا، وبخاصة الإخوان، في موقف يبدو اليوم غريباً، بإغلاق الكنائس أو إزالتها، وإغلاق المدارس المسيحية، والتضييق على المسيحيين وغير المسلمين وإغلاق كل المعابد رغم ضخامة عدد العمالة المسيحية في الكويت، ورغم العلاقة المصيرية التي تربط الكويت بإنكلترا وأميركا منذ ما يزيد على قرن، ورغم ارتفاع احتجاج الإسلاميين أنفسهم في أوروبا وكل مكان، ومطالبهم التي لا تنتهي في الغرب بالحقوق والمساجد والمدارس والاعتراف والجنسية والجواز والمعونة الاجتماعية، وثمة اليوم فقه سني وشيعي للمسلمين "المغتربين" وفتاوى خاصة للمرابطين هناك!
وللكتابات الإسلامية في الكويت- كما في غيرها- سهم واضح في الدفاع حتى عمن ينزلق من الإسلاميين إلى الإرهاب، فالإسلاميون لا يمكن أن يلوموا أنفسهم وكتبهم وثقافتهم العدوانية إزاء الآخر، وكثيرا ما يقع لوم هذه الأقلام في تفسير الإرهاب على الفقر والحرمان وقمع الحريات و"المخططات الأميركية"، وأحيانا الخلل العقلي والنفسي، لا الأفكار الإسلامية المتشددة والتعبئة المتواصلة، كسبب في تسلط هذه الجماعات على حياة الناس وممارسة سلطة موازية أو القيام بالإرهاب الصريح.
وقد تحدث الكاتب السعودي "فهد سليمان الشقيران" نفسه في مقال آخر عن رئيس المجلس العسكري لتنظيم القاعدة في السعودية واسمه "علي الفقعسي" الذي سلم نفسه للسلطات بعد أن كان المطلوب الأبرز على قائمة التسعة عشر التي أعلنتها الداخلية السعودية لفترة طويلة.
ونقل الكاتب "الشقيران" التفاصيل التي رواها "الفقعسي" في المقابلة التلفزيونية، وقصة تأسيس التنظيم وتمويل الجهاز عن طريق "عدد من الباكستانيين يحضرون إلى جدة ثم إلى مكة لأداء العمرة يتسلمون الأموال"، وعشرات الملايين التي كانت تتدفق إلى خزائن التنظيم.
ولكن ما الذي لم يقله "الفقعسي" في المقابلة؟ يقول الكاتب فهد الشقيران "لم يقل الفقعسي إن سبب الانضمام للتنظيم كان الفقر، أو الاضطراب النفسي، أو الخلل العقلي، وسواها من الحجج الواهية التي أدمن البعض طرحها منذ أوائل العمليات العسكرية في السعودية، بل طرح لب الموضوع، إنه الخطاب الديني، والتعبئة الصحوية، والتأصيل الإخواني. هذه هي الأسس التي يقوم عليها تجنيد أي عضو في أي تنظيم كان، الأشرطة والكاسيتات والأناشيد الجهادية، والخطب الحماسية، والنشرات الدورية والصور الدموية التي تلهب حماسة الشباب من أجل الانطلاق إلى مناطق الصراع". ( الشرق الأوسط 23/ 5/ 2019)
ماذا فعلت جماعة الإخوان في الكويت ما بين 1950 و2019؟ وكيف ولماذا انقسمت الجماعة السلفية؟ وماذا عن حزب الله وأنصار الثورة الإيرانية؟ وماذا عن غيرهم؟ كيف تم تمويل نشاطات الإسلاميين في الكويت؟ وما الشركات التي خضعت لتهديداتهم المباشرة والعلنية؟ وكيف أداروا "حروب" البرلمان والتعليم والجمعيات التعاونية عبر نصف قرن؟!
ولماذا لا يتحدث الإسلاميون في قوائم "منجزاتهم" عن العشرات وربما المئات ممن أرسلوهم إلى حتفهم من الشباب الكويتيين المغرر بهم، إلى أفغانستان والعراق ودول البلقان، وربما دول آسيا وإفريقيا، للالتحاق بـ"القاعدة" و"داعش" و"النصرة"، أو لمهام أخرى لا نعرفها؟ ألا يستحق هؤلاء "اعتذاراً" أو "براءة من ممارسة"؟! ألا يستحق "تأبين مغنية" كذلك اعتذاراً؟!
تعليقات