#جريدة_الآن الفتى القحطاني ومعشوقته المدهشة

زاوية الكتاب

كتب داهم القحطاني 813 مشاهدات 0


القبس

الرحلة مع عالم الصحافة بدأت منذ أن كنت في التاسعة من عمري. ومازلت أستغرب كيف لفتى في هذا العمر أن يسير مسافة كيلومترين ذهاباً وإياباً بشكل يومي تحت ظل شمس حارقة إلى إشارات المرور في منطقة الصباحية، حيث كانت تباع الصحف قديماً عند الإشارات المرورية، كي يشتري الصحف ويعود إلى منطقة المنقف، حيث يسكن ليتشارك وإخوته القراءة.
رائحة الجريدة بورقها وأحبارها تسربت إلى جينات هذا الفتى لتقوده بعد تسعة عشر عاماً للعمل صحافياً في جريدة الرأي العام بعد صدورها الجديد عام 1996.
ثلاثة عشر عاماً قضيتها في عالم مليء بسحر المانشيتات، وبلذة الخبر الحصري، وبنشوة السبق الصحافي، وفي عالم لا تنتهي فيه الدهشة والمتعة والمصاعب، ولا تتوقف المواجهة اليومية مع أحداث متسارعة، وأزمات لا تستأذن، من أجل اللحاق بأنياب مطابع تنهش هذا الورق وتنفث فيه من الأحبار لتحوله لحروف وصور مطبوعة تتلقفها بنهم عيون قارئ لا يشبع.
ما لا يعرفه كثيرون عن حياة الصحافي أنه يعيش على تماسٍ مع عوالم مختلفة ومتناقضة، ففي ذات يوم كنت في تغطية ميدانية بمدينة النجف في العراق حين سقط نظام صدام حسين في التاسع من أبريل عام 2003 أجازف بحياتي مع آخرين للحصول على تفاصيل خبر مقتل رجل الدين الشيعي عبدالمجيد الخوئي الذي قُتل وسُحل في المكان واليوم نفسه، في ظل الظهور الأول لميليشيات تتشح بالسواد كادت أن تفتك بنا لولا سترٌ من الله.
وفي اليوم التالي تماماً لهذه الأحداث العصيبة وجدت نفسي أشارك في تغطية صحافية لحدث يتعلق بجامعة الكويت متمتعاً بما لذ وطاب من صنوف «بوفيه فاخر» أعده طهاة أجانب في فندق من ذوي النجوم الخمس.
من مواجهة الموت، إلى مراقصة الحياة، تناقضات لا تصدق جعلت مهنة الصحافة مخيفة جداً، وجعلتها كذلك، وبالقدر نفسه، ممتعة جداً.
النقلة الكبرى أتت في عام 2007 حين شاركتُ الأكاديمي وزير الإعلام السابق الدكتور سعد بن طفلة، والكاتب زايد الزيد، في إنشاء أول صحيفة إلكترونية في الكويت والخليج العربي عام 2007 وهي جريدة الآن الإلكترونية، حيث شكلت تلك اللحظة بزوغ فجر الصحافة الإلكترونية في الكويت.
وهكذا كانت أهمية النشر الإلكتروني تتعاظم، وفي الوقت نفسه كان تأثير الصحافة المطبوعة يقل تدريجياً إلى أن أتت حقبة شبكات التواصل الاجتماعي لتكون بمنزلة التسونامي الذي ابتلع الجميع، فلم يعد هناك مفر لي من امتطاء صهوة «تويتر» وغيره من منصات التواصل الاجتماعي لترويض هذه الوسائل الجامحة وجعلها تخدم أغراض الصحافة التقليدية ما أمكن ذلك.
الصحافة الكويتية في تلك المرحلة عاشت سنين من التيه مترددة بين الحفاظ على ثوبها التقليدي المثقل ببطء الصدور الصباحي، وبين ارتداء أزياء متعددة تناسب كل الأمزجة ويمكن ارتداؤها في أي وقت.
صحيفة القبس أنهت سنوات التيه تلك، ولم تنتظر حتى تصبح الصحافة التقليدية «جسداً له خوار»، وذلك حين قررت في يناير 2016 إصدار جريدة إلكترونية تعمل جنباً إلى جنب مع نسختها المطبوعة من دون الاكتفاء بنشر بعض من أخبارها في الموقع الإلكتروني كما تفعل، ولا تزال، صحف أخرى.
وهكذا تغيرت قواعد اللعبة وأصبحت الصحافة الإلكترونية تحظى بدعم مؤسسة صحافية عريقة كـ القبس فشكَّل ذلك نقلة نوعية مهمة أعادت للصحافة التقليدية جزءاً كبيراً من رونقها وجمالها وسحرها وتأثيرها فلم لا وقد تخلصت من التثاؤب، وأصبحت متاحة في كل لحظة.
اليوم أشارك جريدة القبس هذه التطورات عبر الكتابة فيها، لتكون أول صحيفة كويتية أكتب فيها بعد سنوات من الكتابة في صحف خليجية، ومن الظهور في قنوات فضائية عربية كمحلل سياسي بحكم التخصص الأكاديمي.
آمل أن أكون قد جئت في الوقت الأنسب لكي تتواصل رحلة عشق هذا الفتى لعالم الصحافة ككاتب بعد أن أخلص العشق قارئاً وصحافياً.

تعليقات

اكتب تعليقك