#رأينا_الآن هل صرفنا المليارات على جسر جابر ليربط مدينة الكويت بصحراء قاحلة ؟!

محليات وبرلمان

الآن 2044 مشاهدات 0


افتتاحية  

أُفتتح أخيراً جسر الشيخ جابر الأحمد الصباح والذي يمتد بطول ٣٧ كيلو متر ويختصر وقت قطع المسافة بين مدينة الكويت ومنطقة الصبية النائية شمال البلاد من ٩٠ دقيقة إلى أقل من 30 دقيقة فقط.

ويعد الجسر الذي قامت مجموعة سيسترا الفرنسية بتصميمه ومجموعة هيونداي الكورية بتنفيذه بتكلفة إجمالية بلغت نحو 2,4  مليار دولار أحد أكبر الجسور البحرية في العالم

لكن الاحتفالات التي أجريت عند افتتاح الجسر والاحتفاء الشعبي الكبير به تجاهلت أسئلة كثيرة ، كان لا بد لنا من طرحها مع افتتاح أي مشروع "تنموي" كبير استهلك جزءًا كبيراً من موازنة الدولة ، حول جدوى المشروع والغاية منه وماهي أهدافه ؟

أولاً لا بد لنا من معرفة أن الغاية الأساسية من جسر جابر هي ربط مدينة الكويت وميناء الشويخ بمنطقة الصبية التي تبعد ٩٠ كيلو متر عن العاصمة وذلك عبر الجسر الذي يخترق جون الكويت ويساهم بتقليل المسافة إلى ٣٧ كيلو متر فقط.

لكن السؤال هو ماذا يوجد في منطقة الصبية أصلاً؟ إن المرحلة الأساسية التي بني من أجلها الجسر (وهي الطريق المؤدي إلى منطقة الصبية) تؤدي إلى أرض خالية من أي شيء، إذ لا يوجد في منطقة الصبية لا حجر ولا شجر ولا يأتي إليها أحد سوى عدد بسيط من المواطنين في موسم التخييم كل شتاء، أما الحديث عن القطاع الشمالي أو مدينة الحرير فإنه حديث سابق لأوانه، فقانونها لم يقر أصلاً حتى هذه اللحظة، بل إن الجهاز القائم عليها لا يعرف فعلاً ماهيتها ولاهويتها ولا حدودها ولاجدواها  ولا طريقة بنائها.

إن الجسور في كل دول العالم تربط بين نقطتين مكتظتين بالسكن أوبين مدينتين اقتصاديتين تنتجان اقتصاداً ومالاً وصناعةً، كما هو الحال في جسر الملك فهد الذي يربط بين السعودية والبحرين، أو جسر البوابة الذهبية في سان فرانسيسكو في الولايات المتحدة الأمريكية، كما أن بعض الدول تقوم ببناء الجسور بدون جدوى اقتصادية إنما لترسيخ هيمنتها السياسية وهو ما قامت به الصين بعد بناء جسر هونغ كونغ – جوهاي – ماكاو الذي تبين أنه لا يجني أي فوائد اقتصادية، بل سياسية تؤكد هيمنة الصين على هونغ كونغ.

لكننا في الكويت لم نقم سوى ببناء جسر كبير جداً، بتكلفة عالية جداً ، ليؤدي إلى مكان ناء جداً ولا يوجد فيه أي شيء، ولن يوجد فيه - ربما - أي شيء إلا بعد مرور ١٠ سنوات على الأقل، وبدون أي غاية سياسية أو اقتصادية.

ناهيك عن الآثار البيئية الخطيرة التي رافقت عملية بناء الجسر، وسط حالة من تضارب التقارير البيئية بين الجهات الحكومية التي تقول إن عمليات الردم التي رافقت بناء الجسر لم تؤثر على جون الكويت، والجماعات البيئية الناشطة التي استدلت بتزايد حالات نفوق الأسماك في جون الكويت كدلالة على آثار الجسر الكارثية على البيئة.

إن الأموال الطائلة التي صرفت على هذا الجسر، ليصل مدينة الكويت بقطعة أرض في الصحراء كان من الأولى أن تصرف على تعديل البنية التحتية وتهيئتها في داخل الكويت، فالحصى المتطاير حتى لحظة كتابة هذه السطور لم ينته ملفه بعد ، بل إن الإحصائيات تقول إن وزارة الأشغال تقوم برصف ١ كيلو متر من الطريق كل يوم فقط بسبب قلة الإمكانيات !

إن بناء المشاريع لأجل البهرجة الإعلامية والسياسية والارتجال في إنشاء مشاريع البنية التحتية دون دراسة جدواها الاقتصادية هو أمر لن يبني الدول ولن يشيد الاقتصادات، بل على العكس سيؤدي إلى كساد كبير وفشل ذريع .

إن الكويت اليوم تعيش في لغز كبير اسمه "إقليم الحرير" حيث تتضارب الأقوال الرسمية التي تروج لوجود طريق للحرير ، يمر بالكويت وتصبح فيه الكويت شريكة للصين ولبقية الدول التي "تطمع" بالاستثمار في الكويت ، وعلى أساس "طمعها" في الاستثمار بُني جسر جابر ، وبين الحقائق والوقائع التي تثبت أن طريق الحرير الصيني لا يمر بالكويت أصلاً، وأن الصينيين انتهوا من إعداد المشروع بأكمله بدون أي وجود للكويت ! ناهيك عن عدم بناء أي شيء في شمال الكويت حتى هذه اللحظة بسبب عدم إقرار قانون إقليم الحرير كما يسمى.

اللغز الذي يرافق "إقليم الحرير" داخلياً يأتي مع لغز آخر وهو عدم وجود أي ذكر لهذا الإقليم الذي يقول القائمون عليه أنه يعتمد على طريق الحرير الصيني الجديد في الخطط الصينية التي تنشرها كبريات الصحف الاقتصادية العالمية، بل إن المؤتمر الذي عقد مؤخراً في الصين  لدول مبادرة "الطريق والحزام" وهي الاسم الرسمي لطريق الحرير الصيني لم يكن للكويت حضور أو مشاركة فيه.

وتشير الخرائط المنشورة للموانئ العالمية إلى عدم وجود أي ميناء كويتي في خطة طريق الحرير، كما أن الصين انتهت من التفاهم مع كافة الدول سواء تلك المرتبطة بالحزام البري أو الطريق البحري، وليس للكويت أي وجود فيها، إن السؤال الذي يطرح هنا هو " علام بني الجسر ولم ؟ " فإذا كان مشروع الحرير غير متحقق أصلاً على الورق قبل البنيان، فإلى أين سيؤدي الجسر؟

المشكلة الكبرى أن بناة مشروع الجسر والمسؤولين عنه يعترفون بلسانهم في المقابلات التلفزيونية التي رافقت افتتاح الجسر أنه لا يؤدي في الفترة الحالية إلى طريق سوى الصحراء وأنهم انتهوا من مهمتهم في البناء وسيكملون مهمتهم في إدارة الجسر، أما الغاية والجدوى منه، فهي مرتبطة بافتتاح "إقليم الحرير" الذي أنشئ من أجله الجسر !

إننا في "الآن" نؤمن أن وجود أي طريق جديد هو شيء جميل ومفيد للبنية التحتية، لكن هل يستحق جسر جابر أكثر من ٣.٦ مليار دولار من أموال الشعب ؟ إذ أننا نخشى أن تكون أموال الشعب الكويتي قد تبخرت بفعل هذا المشروع لأجل غاية لا معنى لها.

ندائنا الأخير لن يكون إلا للشعب الذي يفترض به أن ينتخب نوابه الذين يراقبون عمل الحكومة، ليوجهوا صوب أسئلتهم ونقدهم مطالبين الحكومة بتقديم مبررات "حقيقية " لبناء هذا الجسر ولكمية الأموال المصروفة على تشييده ، ولخطة الحكومة القادمة في الاستفادة منه، والأهم من كل هذا، تقديم أجوبة حقيقية وواقعية عن لغز " إقليم الحرير " الذي طال انتظار كشفه بعيداً عن التلاعبات اللغوية والشعارات الإعلانية في الصحف والمجلات ومواقع التواصل الاجتماعي.

تعليقات

اكتب تعليقك