#جريدة_الآن عصام عبداللطيف الفليج: الصحة النفسية والعنف اللفظي تجاه الأبناء

زاوية الكتاب

عصام الفليج 888 مشاهدات 0


الأنباء

وجدت شابا مختلا عقليا يأتي للمسجد وفرع الجمعية، وكان الكل يتعامل معه برفق ولطف، ويقدمون له فاكهة أو كاكاو أو عصيرا أو غير ذلك، فيفرح بها ويتناولها بسعادة غامرة، فسألت عنه أهل الحي، فقالوا: لقد كان ولدا عاقلا يلعب مع أقرانه، ويذهب للمدرسة، إلا أن أهله كانوا يعاملونه بقسوة شديدة جدا، فيها من الإهانة والضرب والقهر الشيء الكثير، فتأثر بهذه المعاملة السلبية تدريجيا، حتى وصل إلى ما هو عليه الآن.

يفتقد الكثير من الآباء الحس التربوي مع الأبناء، وبالأخص الآباء الجدد، فيتعاملون معهم وفق نظام التجربة والخطأ، ليكون الابن الأكبر هو الضحية الأكثر لتلك التجارب، والأكثر تعرضا لأي أثر سلبي نفسيا، وهذا ما يجعلنا نجد اختلافا في أطباع الأبناء، لاختلاف أنماط التربية التي تلقوها من الوالدين.. ابنا بعد ابن.

وقد يكابر الأب فيصر على ممارسة ذات الخطأ لقناعات ذاتية، أو ضعف تربوي، أو انهيار نفسي، ليتكرر تعرض الأبناء لضغوط نفسية سلبية.

ولعل الظروف السلبية التي يتعرض لها بعض الآباء في حياتهم، تجعل ردود أفعالهم تجاه أبنائهم أكثر قسوة، كالفقر أو التهديد أو الضعف أو سخرية الآخرين منه، أو سوء معاملة الزوج، أو تعرضهم للإهانة اليومية، أو لاعتداء ما، أو خسارة مالية، مع ضعف إيمان، وكبر، واستسلام للهوى ولنزغات الشيطان.

ويشارك في تربية الأبناء الحي والمدرسة والديوانية والأرحام والأصدقاء ووسائل الإعلام التي يتعرض لها، لتكون في مجموعها طبيعة الابن السلوكية والوجدانية.

ورغم كل تنبيهات المختصين التربويين والاجتماعيين المتكررة لسنوات طويلة بعدم استخدام العنف مع الأبناء والسلوك اللفظي السلبي، سواء من الوالدين أو الأقارب أو المعلمين أو الكبار سنا وجسما، إلا أنه مازال كثير من الناس يمارس هذا السلوك غير التربوي مع الآخرين، بجهل تربوي.

ولعل السلوك اللفظي أحيانا يكون أكثر قسوة من العنف الجسدي. وكما قيل: جرح السيف يبرأ، وجرح اللسان ما يبرأ.

سيقول قائل: لقد تعرضنا جميعا لكل ذلك ولم يصبنا شيء.

فأقول له: الحمد لله أنك لم تصب، لكن ثق تماما بأن كل فرد معرض في أي لحظة لأي انتكاسة نفسية، وقد تعرض كثيرون بسبب هذا السلوك العنيف لأمراض نفسية مختلفة، من خجل مبالغ وفوبيا واكتئاب ووسواس وقلق وسلوك عدواني وتنمر ومزاجية.. وغيرها، وكل ذلك دون أن ندري، ولا المصاب يدري، وقد يعيش بيننا بسلام ووئام، وابتسامة وضحك، لكنه في حقيقته يعيش حالة نفسية خاصة، ولكن بدرجات مختلفة.

يقول الطبيب النفسي د.عبدالله العزيري إن 25% من الناس لديهم مرض نفسي، قد لا نلحظه ولكنه موجود، ويمكن معالجته مثل أي مرض آخر بالأدوية أو الرياضة أو غير ذلك، إما بسبب الوراثة، أو المؤثرات الخارجية، وأقلها الضغط النفسي.

إن جسم الإنسان كيمياء تتفاعل، فيه معادن ومواد كثيرة، وطبيعة خلطها تكوينا ووراثة، تكون شخصية الفرد الخلقية والنفسية، ومع إضافة المؤثرات الخارجية اليومية منذ أشهر الحمل حتى يكبر، تصقل شخصيته.

ويستمر ذلك التغير في شخصيته مادام الفرد يتناول الكيميائيات المختلفة من أطعمة وأدوية وأشربة، ومادام يتعرض لمؤثرات خارجية متنوعة.

لذا.. هي دعوة للانتباه في التعامل مع الأبناء بشكل خاص، ومع الآخرين بشكل عام، فلا بد من العطف ولين الجانب، فالقسوة والعنف لن يجديا، «إنما الحلم بالتحلم»، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن شر الناس منزلة عند الله يوم القيامة، من تركه الناس اتقاء فحشه»، والفحش هنا هو العنف اللفظي.

فلنحافظ على صحتنا النفسية بعيدا عن القهر والعنف اللفظي، وبالأخص تجاه الأبناء.

تعليقات

اكتب تعليقك