جاسم بودي يتمنى تشكيل حكومة من غالبية برلمانية مع الاحتفاظ بحقائب الداخلية والدفاع والخارجية للشيوخ، على أن يكون مجمل الوزراء أو أقل قليلاً من النواب يمثلون مختلف التوجهات الأساسية في المجلس
زاوية الكتابكتب مايو 22, 2009, منتصف الليل 934 مشاهدات 0
سمو الرئيس ... من أجل الكويت لا من أجلك
الآن وقد حطت المعركة الانتخابية رحالها وأفرزت نتائج تاريخية لجهة دخول نصف المجتمع إلى المجلس، وبعد هدوء موجة الترحيب بإعادة تكليف الشيخ ناصر المحمد تشكيل الحكومة الجديدة، لا بد من كلمة صادقة نابعة من القلب إلى الرئيس العتيد استنادا إلى تجارب الأعوام الماضية.
شريحة كبرى من الناخبين صوتت للتغيير، وهذا لا يعني على الإطلاق أنها صوتت مع الحكومة، بل هي صوتت للتغيير في المجلس أملاً في تغيير أكبر وأساسي من جهة الحكومة كونها الجهاز التنفيذي المكلف إدارة شؤون البلاد.
انت الآن يا سمو الرئيس على مفترق طرق، فإما أن تكرر أخطاء الحكومات الخمس السابقة وإما أن تلاقي الناخبين في منتصف الطريق من أجل مستقبل سياسي أكثر تعاوناً ومن أجل نظام اجتماعي أكثر استقراراً ومن أجل نظام اقتصادي أكثر انتاجاً.
الناس لا تريد برنامج عمل «إنشائياً» على حد تعبير الرئيس جاسم الخرافي، مليئاً بالعبارات التي تؤمن مخارج طوارئ للهرب أكثر من عبارات التصميم والإنجاز.
والناس لا تريد أن تكيل الحكومة بمعايير مزدوجة بدءاً من الصفقات السياسية والمالية مع تيارات سياسية وانتهاء بالتراجع المخزي عن مواقف ومشاريع بعد عملية عرض عضلات غير مبررة.
والناس لا تريد وسائل إعلام تبجل «الرئيس القائد» وتهاجم معارضيه، فهذه الوسائل ارتدت سلباً عليكم وعلى صورتكم وضرتكم أكثر مما نفعتكم. الناس تريد من ينقل صوتها بأمانة حتى ولو كان ضد قراراتكم ومواقفكم.
والناس لا تريد منكم تكرار المعايير التي على أساسها تم اختيار الوزراء، فتارة يورطكم وزير من تيار سياسي معين بقرارات اقتصادية ما زالت شغل المحاكم الشاغل من سنوات، وطوراً تبحثون عن كتلة نيابية واحدة للاستشارة والتنور بآرائها فتضعون أنفسكم في مواجهة الجميع، أما «الكارثة» فتمثلت في إجراء رئيس كتلة وتيار سياسي المشاورات باسمكم مع النواب وأفضت إلى توزير أحد أعضاء تياره الذي مرر بالوسائل التي اشتهر بها كل مصالح تياره على حساب المصلحة العامة وخالف الدستور بعمله كمفتاح انتخابي علني لجماعته قبل وخلال الانتخابات ضارباً بعرض الحائط التوجيهات السامية. وهذه السياسة أيضاً ضرتكم أكثر مما نفعتكم ولم يحم هذا التيار ووزيره إلا ظهورهم تاركين ظهر الحكومة مكشوفاً لكل الطعنات.
سمو الرئيس
في غياب آلية ديموقراطية متطورة حديثة تسمح بغالبيات وأقليات...
ونظراً لطبيعة نظامنا السياسي الذي لم تستطع الخلافات الدائمة بين السلطتين أن تطوره أكثر...
وبما ان اختيار رئيس الحكومة لوزرائه يخضع لاعتبارات خاصة بقدرة الكتل والطوائف من جهة وللتحالفات السياسية المطلوبة من جهة أخرى...
وبما ان الحكومة كانت تعتمد في تشكيلها على قراءة خاطئة مفادها أن التحالف مع هذا التيار أو ذاك يمكن أن يكون سلاحاً في يدها بمواجهة تيارات أخرى...
وفي غياب تشريع العمل الحزبي المنظم المرتكز على برامج ورؤى ومشاريع واستراتيجيات...
ومع وجود حالات انقسام وشرذمة اختلطت بحروب ضروس على المصالح مهدت الأرض لخلافات دائمة من جهة ولتدخلات رموز من خارج المجلس والحكومة شحذت سكاكينها لإذكاء شهوة السلطة من جهة اخرى...
لذلك كله وغيره نقترح التالي:
تشكيل حكومة من غالبية برلمانية مع الاحتفاظ بحقائب الداخلية والدفاع والخارجية للشيوخ، على أن يكون مجمل الوزراء أو أقل قليلاً من النواب، يمثلون مختلف التوجهات الأساسية في المجلس على قاعدة التمثيل العادل لا استناداً إلى حسابات التكتيك السياسي.
في هذه الحالة تصبح لدى الحكومة غالبية في المجلس من خلال توزير الكتل الأساسية الكبيرة فيها بحيث تشارك هذه الكتل عبر ممثليها في صنع القرار الحكومي وتسهل عملية مناقشة مشاريع القوانين تحت قبة عبدالله السالم.
طبعا سيقال إن دون هذا الأمر حسابات وحساسيات، منها حصة أبناء الأسرة والضرورات المتعلقة بالتوازن، ومنها أن كتلاً كبيرة قد ترفض الدخول إلى الحكومة خوفاً من تبعات ذلك على الانتخابات المقبلة، ومنها أن الوزير المنتمي إلى تيار سياسي سيلتزم قرارات تياره أكثر من التزامه قرارات الحكومة، ومنها أن المصالح أو اختلاف الرؤى أو الانقسامات قد تشق التحالفات وتفجر الحكومة من الداخل... كل ذلك وغيره صحيح، لكننا لا بد أن نبدأ من مرحلة ما إذا كنا نملك الجرأة على التغيير، ولا بد أن نبني على التجارب الإيجابية أيضاً لتعميمها، فقد أظهرت الانتخابات الأخيرة سقوط فرضية انهيار شعبية النائب الوزير عندما حصل نائب كان وزيراً مثلا على المركز الأول في دائرته وحصد النسبة الأعلى للأصوات استناداً إلى حجم الدائرة وعدد الناخبين، وكذلك الأمر مع النتائج المتقدمة التي حصل عليها نواب آخرون كانوا وزراء.
إضافة إلى ذلك، شهدت التجربة أيضا وجود وزراء ينتمون إلى تيارات سياسية وضعوا الكويت ومصالحها نصب أعينهم قبل مصلحة تياراتهم السياسية، كما شهدت أيضا وجود وزراء استماتوا بما يملكون من مواهب وقدرات وتدليس لخدمة مصالح تيارهم السياسي قبل المصلحة العامة. هؤلاء معروفون وهؤلاء معروفون ويبقى على رئيس الحكومة حُسن الاختيار.
أما بالنسبة إلى المصالح والانقسامات فضبطها أيضاً عند رئيس الحكومة الذي يجب أن تكون معايير عمل السلطة التنفيذية واضحة منذ البداية للجميع وأولهم الرئيس ونوابه، فمن يرتضِ هذه المعايير يدخل تحت سقفها ومن يرفض يعتذر. أما أن تبقى الأمور غامضة وملتبسة ومرتكزة على كلام مجامل يحمل أكثر من معنى فهو أمر سيفتح بالتأكيد شهية المتمصلحين ويؤسس لحالات الانقسام أو الخلاف.
تبقى قضية حصص الشيوخ وهي أمر لا نناقشه نحن، وإن كان لابد أيضاً من التأني الكبير في الاختيار، إذ أثبتت تجربة الأشهر الماضية أن الكويت ليست مفروزة بين ملائكة وشياطين، وأن من أعطي الثقة كان يلعب دوراً تخريبياً مهماً من خلف الستائر، ومن رسمت عليه علامات استفهام كان أهلاً للثقة أكثر من غيره... ولا نخال أن الرئيس يجهل ماذا فعل ذوو القربى قبل النواب بل هو تحديداً يعرف أكثر من غيره كيف نقلت الملفات من الأدراج الآمنة إلى الحناجر الصادحة.
سمو الرئيس
لتكن الحكومة برلمانية في غالبيتها، ولتنكشف صفحات العلاقة بين السلطتين للجميع لاحقاً، إذ لا يجوز أن يساهم النائب في القرار داخل الحكومة ويعارضه في البرلمان، ولا يجوز أن يتصيد النائب خطأ وزير كي يكسب في السياسة، ولا يجوز أن تبقى الحكومة رهينة الخوف من الاستجواب لأنها مشكلة من غالبية وليصعد من يصعد إلى المنصة مفنداً مدافعاً ما دامت قراراته صحيحة من جهة، ومادامت الحسبة ستحاصر التأزيميين من جهة ثانية.
اليوم، أفرزت الانتخابات كفاءات مهمة في مختلف المجالات ولدى مختلف التيارات، وهؤلاء يمكن أن تستفيد الحكومة من طاقاتهم وتجاربهم وخطابهم الهادئ ورغبة التغيير الصادقة لديهم. حكومة الغالبية البرلمانية الموسعة تجربة جديرة بالخوض في ضوء التجارب السابقة الفاشلة... كي ينتصر «حزب الانتاج والإنجاز» على الصراع الدائم بين «حزبي» المجلس والحكومة.
جاسم بودي
تعليقات