#رأينا_الآن الشهادات الوهمية والمزورة .. أزمة بلد

محليات وبرلمان

الآن 505 مشاهدات 0



لا زالت الفضائح تتوالى في مؤسسات الدولة، يوماً بعد يوم، بل وساعة بعد ساعة، فمن وزارة الصحة التي تفشل في تشغيل المستشفيات الجديدة التي بنيت بمئات ملايين الدنانير، إلى وزارة الأشغال التي فشلت في رصف طريق واحد بدون أن تكون فيه حُفر ووديان وأخاديد، وانتهاء بوزارة التعليم العالي التي اكتشفنا أنها فشلت في كل شيء وتتوالى فضائحها يوماً بعد يوم، إلى حد صارت سمعة الكويت التعليمية بسببها في الحضيض بين دول الجوار، وإن استمرت الفضائح التعليمية فإن الأشقاء في الخليج سيلمزون بعضهم "هاه جايب اعتراف شهادتك من الكويت؟" كناية عن الضعف التعليمي والفشل الذي نعانيه.

دولة كاملة بكافة مؤسساتها، تُخدع من جامعة وهمية اسمها الجامعة الأمريكية في أثينا بيّنت الصور والفيديوهات أنها مجرد شقة صغيرة في زقاق صغير من أزقة أثينا، تدعي أنها تخرج الطلبة في البكالوريوس والماجستير والدكتوراه، تخصصات لا تستطيع جامعات عالمية أن تتولاها بسبب عدم توفر مساحة كافية فيها، لكن هذه الشقة الصغيرة البائسة -التي لاتصلح حتى لأن تكون منزلاً صيفياً هادئاً - تُخرّجهم فيها.

فصول المأساة بدأت عندما اعترف التعليم العالي بهذه "الشقة" بناء على توصية مشبوهة من شخص مسؤول في الهيئة العامة للتعليم التطبيقي والتدريب يقال أنه أخذ وكالة هذه الجامعة / المكتب ، وقام باصدار قرارات ابتعاث لهذه الجامعة الوهمية ( هذا الاتهام جاء على لسان وزير تربية سابق ) ، وبعد شهور قليلة بدأت وزارة التعليم العالي بالشك في الجامعة، فأرسلت وفداً تبين له أنه لا توجد أي جامعة بل إن اليونانيين، أهل البلد أنفسهم، لا يعرفون إسمها ، وألغت الاعتراف فيها.

لكن بعض المزورين للشهادات، حملة الألقاب الوهمية، الساعين خلف سراب المظاهر الكاذبة ، استمروا في غيهم وحصلوا على حروف الدال والميم منها، رغم أنها جامعة لا وجود لها، ومن قوة وسطوة وقاحتهم راحوا إلى التعليم العالي يطالبونها بالاعتراف بهم، بل نظموا اعتصامات وجماعات ضغط لإجبار الوزارة على الاعتراف.

وكانت كلمة الفصل للقضاء، الذي قال بصريح العبارة، أن هذه الجامعة ماهي إلا مكتب تجاري لبيع الشهادات، وأن خريجي هذه الجامعات ومن هم على شاكلتها لن يتم الاعتراف بشهاداتهم وعليهم الحصول على شهادات حقيقية من جامعات معترف بها كي يكونوا أفراداً صالحين في المجتمع.

لكن السؤال الذي توجب على "الآن" أن تطرحه هو "لماذا يعمد هؤلاء إلى الحصول على الشهادات المزورة؟ ولماذا يتسابقون عليها؟"

والحقيقة أن الجواب ليس واحداً، إذ أن مجموعة من العوامل هي التي أدت إلى كل هذا، أهم هذه العوامل هي عدم وجود العواقب الاجتماعية، فمجتمعنا اليوم مع الأسف الشديد بات يرى الغش "شطارة" ، ومن حصل على شهادته بالغش والتدليس ونجح في الحصول على اعتراف بها فإنه "صادها وعشى عياله" ، بينما المفترض ألا يستصدروا المشهد الاعلامي أوالاداري هؤلاء ويفترض أن يفضحوا على رؤوس الأشهاد، ولولا العواقب القانونية الوخيمة، لسطرنا أسمائهم في صفحات الآن واحداً تلو الآخر.

أما التراخي الحكومي، وعدم تطبيق العقوبات ضد من يقوم بتزوير شهاداته من الخارج، فهو أمر لا جدال فيه، فهؤلاء الذين زوروا شهاداتهم من هذه الجامعات "غير الموجودة" يخرجون بكل أريحية يطالبون القضاء إنصافهم، ولو كانت الحكومة جادة لرتبت ملفاتها مع النيابة العامة وقامت برفع قضايا ضدهم بتهمة التدليس والتزوير والخداع ومحاولة تدمير العملية التعليمية في الوطن.

لكن الحكومة وبدلاً من إتخاذ الخطوات الحازمة والحادة، تتراخى معهم، وتقوم بتنظيم اختبارات "أداء قياس" لهم وكأنها تشجع السارق على سرقته، وتعطي الغشاش فرصة أخرى، والله أعلم بمدى مصداقية هذه الاختبارات، فمن يغش في الحصول على شهادة بكالوريوس ويدعي وجود جامعة ليس لها وجود فهو لن يتورع بالطبع عن الغش في امتحان يراه بسيطاً بالنسبة له.

ولم تمارس الجامعة الأمريكية في أثينا أدوارها في الخفاء، بل إنها عقدت جولات وحفلات وفعاليات داخل الكويت، بحضور نواب في مجلس الأمة وأعضاء في الهيئة التدريسية في الهيئة العامة للتعليم التطبيقي والتدريب، كانوا يعلمون علم اليقين أنهم يشهدون على زور وأنهم – الذين يفترض بهم أن يكونوا حماة العلم وأهله -  أهانوا العلم والمعرفة "وداسوا ببطن" النظام التعليمي.

ومن خبث مسؤول الجامعة المطلوب للانتربول اليوم في اليونان، فإنه زار عدداً من مسؤولي الدولة وقياداتهم، وبل قام بمنحهم شهادات فخرية من جامعته غير الموجودة، وهكذا دخل السارق بيننا وسرق منا، سرق منا الثقة بالنظام التعليمي، وسرق منا سمعتنا في التعليم والتي بدأت مع افتتاح جامعة الكويت التي كان لها سبق الريادة في المنطقة، وسرق منا الثقة بكل من يملك حرف الدال أو الميم في الكويت، وهرب جامعاً ثروته من المغفلين الذين يظنون أن التاريخ لن يكشفهم بيوم من الأيام.

وليست الجامعة الأمريكية في أثينا الوحيدة من بين كل هذه الجامعات، فهناك العشرات بل المئات، مهندسون من سلوفاكيا وأطباء من الهند والفلبين، لا يجيد أحد منهم اللغات السلوفاكية أو الهندية أو الفلبينية ، بل لايجيدون الانجليزية ، فبأي لغة تعلموا ؟!

لقد أصيبت الدولة في مرحلة من مراحلها بسعار الشهادات الدراسية، وصمم ديوان الخدمة النظام الوظيفي فيه بطريقة تجعل كل من لا يملك شهادة جامعية ولو كان خبيراً ومجتهداً، كأنه عبء على البلاد ويجب التخلص منه أو تهميشه، فارتعب كبار الموظفون وصغارهم وصاروا يذهبون إلى "كل فج عميق" يطلبون الشهادات ولو كانت مزورة ومضروبة، حتى غدونا أضحوكة بين بلدان الخليج.

لقد حان الوقت لأن تفرض الدولة هيبتها وتضرب بقوة تجاه أصحاب الشهادات المزورة، وتحاسب من سهل لهم هذا الغش ، وحان الوقت لأن نصلح أنظمتنا الوظيفية ونصممها بطريقة نهتم فيها بالكفاءة قبل الشهادة، مع التأكيد على أهمية الشهادة طبعاً، وحان الوقت لنا لأن نصارح أنفسنا، بلد بلا تعليم حقيقي، لن يكون بلدًا حقيقياً في يوم من الأيام.

تعليقات

اكتب تعليقك