#جريدة_الآن د. غانم النجار يكتب: الكراهية والعنصرية وما بينهما
زاوية الكتابكتب غانم النجار مارس 19, 2019, 11:05 م 725 مشاهدات 0
الجريدة:
الجريمة التي قام بها الأسترالي الإرهابي تارانت باعتدائه على مسجد في نيوزيلندا تفتح الباب على مصراعيه لمناقشة الصراع وخطاب الكراهية والعنصرية. ملاحظتي على أغلب التعليقات وردود الفعل في مناطقنا ومنطقنا، أنها مازالت تقليدية، ولم تخرج خارج منطق التفوق على الآخرين. كان لافتاً أن النقاش ظل يدور حول هم ونحن فقط.
المجتمعات الغربية، ولا أقول المجتمع الغربي، تختلف فيما بينها، في مستوى قيمة الدولة وقيم التسامح وظاهرة العنف ودرجة التطرف، إضافة إلى تملك السلاح. وتبرز الدول الإسكندنافية، وتضاف لها نيوزيلندا، كدول تتفوق فيها تلك القيم عن غيرها من الدول الغربية. ففي الغرب نجد نسبة العنف والجريمة وجرائم القتل الجماعي في المدارس وغيرها في أميركا مثلاً هي الأعلى.
المتطرفون البيض الذين يتحركون ضمن منظومة فكرية عنصرية، أكثر منها دينية، تراجعوا بعد هزيمة النازية في الحرب العالمية الثانية، ويعودون الآن بلباس جديد، وبفكر "أكثر شبابية" إن جاز التعبير. ويبدو أنهم قرروا أن يختاروا الخاصرة الأضعف، بنظرهم، وهي تلك الدول الغربية الأكثر تسامحاً، والأكثر قبولاً للمهاجرين، والمسلمين من ضمنهم. ولذلك اختاروا النرويج، الدولة الأولى في التسامح والمؤشر العالمي للتنمية البشرية. كذلك ولذلك كان اختيار نيوزيلندا، وهي لا تقل تسامحاً.
في 22 يوليو 2011 قام شاب نرويجي يدعى أندريه بريفيك بقتل 77 شاباً وشابة أغلبهم كانوا في معسكر شبابي صيفي في جزيرة أوتويا، وكان قبلها قد نشر بيانه المتطرف على النت بعنوان "2083 European Declaration for Independen".
كان يرى النقاء العرقي للبيض، وأنه لابد من الدفاع عن الأمة البيضاء، وإيقاف سياسات الاندماج، وترحيل المسلمين من أوروبا كلها، ومعارضاً للنسوية التي تقود المجتمع للانتحار الثقافي، وبعد الحكم عليه رفض الاستئناف لأنه لا يعترف بالمحكمة، كما وصف نفسه بأنه فاشي ونازي.
كانت ردود فعل المجتمع النرويجي "صدمة كبرى"، وإعادة البحث عن الذات، لماذا؟ لأن ذلك الفعل الإجرامي العنصري جاء مناقضاً لمنظومة القيم القائمة على التعايش وقبول الآخر ونبذ العنف. اجتمع الناس في الساحة الرئيسة في أوسلو العاصمة، ووضعوا المسلمين في الصدارة، وأعلنوا بوضوح "انكم جزء من هذا المجتمع فاطمئنوا"، علماً أن الغالبية العظمى من الضحايا كانوا من النرويجيين غير المسلمين. كانوا حينها بتعاطفهم مع المسلمين ومساندتهم لهم يدافعون عن قيمهم هم التي تسمح بحرية العبادة والاعتقاد، تلك القيم التي جعلت من مجتمعاتهم آمنة مزدهرة ومستقرة.
يدور الشريط سريعاً إلى مارس 2019 في بلد آخر مسالم، مشابه للنرويج بقبوله المسلمين اللاجئين، يؤمنهم على حياتهم، ويحترم عباداتهم، فيأتي برنتون تارانت الشاب الأسترالي، ليفعل فعلته الشنعاء، ويقتل العشرات من المسلمين، وينشر بيانه على النت، ويذكر أن أحد ملهميه هو أندريه بريفيك. حجم التعاطف والمساندة مع المسلمين كان كبيراً، وتم طرح ذات الأسئلة التي طرحها النرويجيون من قبلهم.
التطرف حالة ذهنية فلا دين له، والعنف لا مذهب له، والمتطرفون ملتهم واحدة، ويسعون سعياً لتخريب قيم التسامح والتعايش.
تأتي الدروس وتذهب ولا نستفيد منها حتى على سبيل التفاهم مع الذات، وتتكرر هزائمنا، ومن ثم يقتل بعضنا بعضاً، ولا ترف لنا عين. ثم ندعي العصمة والصلاح. نرى الأبرياء يقتلون ويحرمون من أبسط حقوقهم، ولا تتحرك فينا المشاعر، فكيف سيكون المستقبل؟
تعليقات