#جريدة_الآن د. فيصل الشريفي يكتب: متجر سيلفريدج وسوق المباركية
زاوية الكتابكتب د. فيصل الشريفي مارس 4, 2019, 11:26 م 964 مشاهدات 0
الجريدة:
سوق المباركية الوجهة السياحية الأولى في دولة الكويت، ومحط رحال كل من يزور الكويت لما يحمله من تاريخ حافل بذكريات وعبق الماضي الجميل، وأسعار في متناول الجميع، إلا أن كل ذلك لم يشفع له، فمع كل فترة تجد من يريد وأده بدلاً من المحافظة عليه وتمكينه من الاستمرار.
مع كل الذكريات الجميلة التي قضيتها في بريطانيا متنقلاً بين مدنها من الشمال إلى الجنوب إلا إن لشارع أكسفورد الساحر لذة ما بعدها لذة، فهو الشارع الذي يجمع بين متعة التسوق ورياضة المشي، وله تاريخ قد لا يعرفه البعض، فهذه المنطقة لم تكن بهذه الأهمية كمركز تجاري يتوافد إليه الملايين يومياً لولا السيد هاري غوردون سيلفريدج المهاجر من أميركا بلد الأحلام إلى عاصمة الضباب لندن.
قصة السيد سيلفريدج بدأت في عام 1909 عندما أقدم على تنفيذ فكرته المجنونة آنذاك بالسماح للمتسوق أياً كان مستواه بالتجول بالمتجر والتمتع بلمس البضاعة والتعرف عليها دون أن يلزمه أحد بالشراء، وهذا خلاف المتعارف عليه في ذلك الوقت، حيث استطاع تحويل فكرة التسوق إلى متعة متاحة للجميع.
لم تتوقف إبداعات السيد سيلفريدج، ففِي عام 1911 أنشأ قسماً خاصاً لعرض العطور ومستحضرات التجميل رغم أنها كانت محرمة باعتبارها دعوة إلى الفجور، كما أنه أول من خصص دورات للمياه للسيدات مما مكنهن من قضاء يوم كامل بالتسوق بدلاً من ساعة إلى ثلاث ساعات كحد أقصى، وهو أيضاً صاحب العروض الحية التي كان يفاجئ بها الجمهور كل يوم أحد، لذلك أضحى متجره الأول على مستوى العالم من حيث القوة الاقتصادية والشرائية، كما يعود له الفضل في وجود شارع أكسفورد الأهم والأشهر على مستوى العالم كما تشاهده الآن.
نهاية هذا الرجل المبدع الذي عاش حياة الملوك لا يمكن اختزالها بسطور هذا المقال، ولا بالنهاية المأساوية التي أدت إلى إعلان إفلاسه في أواخر أربعينيات القرن الماضي بسبب المرأة التي أحبها وبسبب إدمانه صالات القمار، ولا بكونه قد مات معدماً لا يملك قوت يومه، بل قدرته على تغيير مفاهيم البيع والشراء ليس على مستوى بريطانيا فقط، بل في العالم أجمع، حيث ظل اسمه ملازماً لكلمة «الإبداع والابتكار» في العلم الحديث الذي يدرس كمثال لفنون التسوق الناجحة التي تقوم على استقبال الأفكار وتطبيقها.
هذه القصة تقودنا إلى سوق المباركية الوجهة السياحية الأولى في دولة الكويت، ومحط رحال كل من يزور الكويت لما يحمله من تاريخ حافل بذكريات وعبق الماضي الجميل، وأسعار في متناول الجميع، إلا أن كل ذلك لم يشفع له، فمع كل فترة تجد من يريد وأده بدلاً من المحافظة عليه وتمكينه من الاستمرار على أداء دوره الاقتصادي والتاريخي الذي أضحى أحد المعالم التجارية والترفيهية ليست للكويتيين فقط، بل لكل زائر يبحث عن مكان يقضي فيه جزءاً من يومه بين متعة التسوق والأكل.
مفهوم الخصخصة ليس هبة تهدى إنما شراكة تقوم على مفهوم التجارة العادلة بين الحكومة والتاجر من جهة وبين التاجر والمستهلك من جهةٍ أخرى، فالخصخصة يجب ألا تسير في اتجاه جيب المواطن، ولا أن تكون عثرة في طريق المستثمر الصغير، أما غير ذلك فـ»لا طبنا ولا غدا الشر».
تعليقات