#جريدة_الآن الناقد البحريني يوسف الحمدان يكتب : الكويت التي أعشق...

زاوية الكتاب

كتب الآن 669 مشاهدات 0



الأيام
للكويت الغالية الحبيبة مكانة خاصة واثيرة في روحي وقلبي،، فهي البلد الذي احتواني يافعا ومتطلعا لجميل الفكر والثقافة والفن إبان دراستي في أكاديمية الكويت للفنون المسرحية، قسم النقد والأدب، في أول منتصف سبعينيات القرن الماضي الثاني وحتى نهايته عام 1980، وهو البلد الذي هيّأ لي كل ممكنات الدراسة النقدية المغايرة والنوعية، وأودعني  حضن كبار أساتذة النقد والمسرح في عالمنا العربي، كي أنهل من معين تجاربهم وخبراتهم الفريدة في مجالات وحقول واتجاهات المسرح ، وجاورني كبار المبدعين والأساتذة الأدباء في الكويت، من أمثال الصديق الراحل الأديب والروائي المعروف اسماعيل فهد اسماعيل والصديق الأديب سليمان الخليفي وجعلني على تماس ساخن مع الصالونات والدواوين الثقافية والأدبية الفاعلة والمؤثرة في الكويت، ومن بينها صالون الفنان المثقف الصديق محمد اشكناني وصالون الأديب الراحل اسماعيل فهد اسماعيل..
تفتحت عيناي على الكويت في عصر أجزم أنه ذهبي بكل ما تكتنز به الكلمة من معان ودلالات، حيث كانت مساحات الحرية الفكرية والاجتماعية والثقافية متسعة لكل مفكري ومثقفي وأدباء الوطن العربي، من خلال جامعاتها وجمعياتها ونقاباتها ومؤسساتها، ففي الكويت كانت تصدر أهم الإصدارات في الوطن العربي ، مثل مجلة (العربي) ومجلة (عالم الفكر) وسلسلة (المسرح العالمي) وكتاب (عالم المعرفة) ومجلة (البيان)، وكلها إصدارات فكرية ومعرفية وفنية وثقافية فريدة ويندر إصدار مثلها في وطننا العربي، بل كانت هي الزاد الذي تستضيء به عقولنا وارواحنا في الخليج والوطن العربي، خاصة وأن هذا الزاد يساهم في تغذيته كبار وعمالقة الفكر والثقافة في وطننا العربي، من أمثال أحمد بهاء الدين والدكتور علي الراعي والدكتور فؤاد زكريا والدكتور محمد الرميحي والدكتور أسعد عبدالرحمن وغيرهم، وكلهم أساتذة مؤثرين وفاعلين بوعيهم الفكري الاستثنائي المستنير.
هذه الاصدارات النوعية، أسهمت في جعل الكويت منارة ثقافية وفكرية وديمقراطية عربية، يقصدها كل من نشد المعرفة أو ضاقت به الحياة في بلده، كالشاعر الكبير والمؤسس العملاق للشعر الحداثي في وطننا العربي شاكر بدر السياب الذي غادر الحياة فيها وفي قلبه شوق وحنين إلى وطنه الأم.
هي الكويت التي استولت على قلوبنا احتفالاتها ومناسباتها الوطنية، فاخذتنا معها ونحن طلبة يافعين في كرنفالاتها وهي تبتهج وتغني في الشوارع والمسارح، ونحن معهم نردد أجمل وأبلغ وأعذب الكلمات التي تغنى بها الفنان الكبير شادي الخليج والفنان عبدالكريم عبدالقادر والفنانة سناء الخراز، هذه الأغنيات التي لا زلنا من أبناء جيلي السبعيني ومن سبقونا نرددها حتى يومنا هذا (ها نحن جئنا ننشد الهولو على ظهر السفينة) و(هي الكويت... الله ياكويت)، نرددها وكما لو أننا نحتفل اللحظة هذه بعيدنا الوطني في البحرين.
هي الكويت، وما أجمل الأوقات التي تجمعنا نحن طلبة المسرح في باص العم (حسين) وهو يتوجه بنا إلى غرفة التجارة لنشاهد في قاعتها الكبيرة الأسابيع السينمائية العالمية التي عرفتنا على كبار مخرجي ومنتجي ونجوم السينما في العالم، والتي فسحت أمامنا مجالا لحوار فني جميل وخلاق لا ينتهي إلا مع بزوغ الفجر غالبا.
في الكويت تعرفت على مظفر النواب ومارسيل خليفة وفرقة الطريق من خلال المكتبات الصوتية المتاحة في سوق السالمية، وحضرت احتفالات نقابة عمال النفط التي كانت تحييها فرق روسية وفرق من بعض الدول الإشتراكية انذاك إبان السبعينيات، وشاهدت عروضا مسرحية كنت يومًا أحلم بمشاهدتها، مثل مسرحية (الرجل الذي صار كلبًا) للكاتب الأرجنتيني (دراجون)، إخراج المسرحي المبدع السوري العربي الراحل فواز الساجر وذلك في قاعة أكاديمية المسرح بالشامية، وشاهدت فيها أيضا مونودراما (يوميات مجنون) للكاتب الروسي (جوجول)، إخراج وتمثيل الفنان العراقي الراحل سعدي يونس، كما شاهدت المسرحية التونسية (عطشان يا صبايا) لاستاذنا المخرج التونسي الراحل المنصف السويسي والمسرحية العراقية (كان يا ما كان) لمؤلفها ومخرجها الفنان العراقي الاستاذ قاسم محمد، وفي مواقع أخرى شاهدت أبدع ما قدمه المسرح الكويتي إبان السبعينيات من مسرحيات لا زالت راسخة في ذاكرتي، وخاصة تلك المسرحيات التي أخرجها الفنان الكبير الراحل صقر الرشود والراحل فؤاد الشطي والراحل عبدالحسين عبدالرضا، إضافة إلى العروض المسرحية الطليعية التي قدمها طلبة اكاديمية المسرح بالكويت.
وفي جامعة الكويت، كانت لنا حظوة أن نحضر أهم الندوات والمحاضرات الفكرية والسياسية التي كان يشارك فيها الأستاذ المفكر الراحل الدكتور أحمد الربعي والمفكر الدكتور عبدالله النفيسي وبعض من تستضيفهم الجامعة من المفكرين العرب في رحابها.
وفي الكويت وجدت كتاباتي القصصية والنقدية ضالتها عبر صحافتها المتميزة الحرة والنوعية والأكثر شهرة في وطننا العربي، فنشرت في جريدة الوطن وجريدة الأنباء ومجلة الفن ومجلة البيان، وكان المبدعون من أصدقائي في الدراسة
عونا لي في تسهيل دروب الكتابة في هذه الصحف ومن بينهم بل وأهمهم الصديق الأديب الراحل اسماعيل فهد اسماعيل.
هي الكويت، التي احتضن فيها المسرح العربي واحدة من مسرحياتي التي أصدرتها في كتاب يضم خمس مسرحيات بعنوان (الجاثوم)، وكانت من إخراج الفنان الجميل نادر الحساوي، تمثيل محمد دحام وهو اليوم من أهم مخرجي الدراما التلفزيونية في الكويت والخليج العربي.
إنها الكويت التي ستظل شامخة سامقة، كما عهدناها قبل الغزو واثنائه وبعده، ظلت فعل مقاومة فاعل ومؤثر ونبض حي لازالت اسماعنا تصغي إليه، ويكفينا أن نحصي عدد الإصدارات والمسلسلات التلفزيونية والعروض المسرحية والمعارض التشكيلية والمهرجانات الفنية والثقافية، لنعرف كم هي فعلا قوية ورصينة ومؤثرة وقادرة على مواجهة وتحدي أقوى وأعتى الرياح والعواصف والاعاصير، مهما كانت اتجاهاتها..
في الكويت الحبيبة انغمرت روحي في مختلف القاعات المسرحية الكويتية التي تقدم عليها أروع العروض المسرحية، مثل قاعة مسرح عبدالعزيز المسعود بكيفان ومسرح الدسمة ومسرح العمال بالاحمدي ومسرح الشامية ومسرح المعاهد الخاصة.
هي الكويت التي منحتني وأنا طالب بالسنة الثانية بقسم النقد ثقة أن أكتب نصا مسرحيا لتخريج طلبة قسم التمثيل والإخراج عام 79 بإشراف الاستاذين المعلمين الكبيرين سناء شافع والدكتور أمين العيوطي..
حفظ الله الكويت قيادةً وشعبًا وفكرًا وثقافة وبيئة خصبة للإبداع والتنوع الخلاق..
هي الكويت التي أحب وأعشق والتي لا يمكن يوما أن أنسى فضلها وجميلها علي ما حييت..
وكل عام وكويت العشق وتاج الثقافة في خليجنا العربي بألف خير..

تعليقات

اكتب تعليقك