#جريدة_الآن عصام الفليج يكتب: الشيخ العالم.. والتاجر الغامض
زاوية الكتابكتب عصام الفليج فبراير 25, 2019, 10:55 م 774 مشاهدات 0
الأنباء:
يروى أن عالما ذا حكمة وبصيرة، كان جالسا مع طلبة العلم، وبينما هم كذلك، إذ دخل عليهم رجل غريب لا يعرفه أحد منهم، ولا يبدو عليه مظهر طلاب العلم دخل وسلم، وجلس حيث انتهى به المجلس، وأخذ يستمع للشيخ بأدب وإنصات، وبيده قارورة فيها ما يشبه الماء لا تفارقه.
أنهى الشيخ حديثه، والتفت إلى الرجل الغريب، وتفرس في وجهه، ثم سأله: ألك حاجة نقضيها لك، أم لك سؤال فنجيبك؟
فقال الرجل: لا هذا ولا ذاك، وإنما أنا تاجر، سمعت عن علمك وخلقك ومروءتك، فجئت أبيعك هذه القارورة التي أقسمت ألا أبيعها إلا لمن يقدر قيمتها، وأنت دون ريب حقيق بها وجدير.
تناول الشيخ القارورة وأخذ يتأملها ويحرك رأسه إعجابا بها، ثم التفت إلى الرجل فقال له: بكم تبيعها؟ قال: بمائة دينار.
فرد عليه الشيخ: هذا قليل عليها، سأعطيك مائة وخمسين. فقال الضيف: بل مائة كاملة، لا تزيد ولا تنقص.
فقال الشيخ لابنه: اذهب البيت وأحضر مائة دينار.
أخذ الشيخ القارورة، وتسلم الرجل المبلغ، ومضى في حال سبيله حامدا شاكرا، ثم انفض المجلس وخرج الحاضرون، وجميعهم متعجبون من هذه القارورة التي اشتراها شيخهم بمائة دينار.
دخل الفضول ولده، فلما عادا إلى البيت، فحص القارورة لمعرفة ما فيها، فتبين له أنه ماء عادي، فذهب إلى والده مسرعا في غرفته وهو منفعل: لقد خدعنا الغريب، فوالله ما زاد على أن باعك ماء عاديا بمائة دينار، ولا أدري أأعجب من دهائه وخبثه، أم من طيبتك وتسرعك؟!
فابتسم الشيخ الحكيم ضاحكا، وقال لولده: يا بني.. لقد نظرت ببصرك فرأيته ماء عاديا، أما أنا.. فقد نظرت ببصيرتي وخبرتي فرأيت الرجل جاء يحمل في القارورة ماء وجهه الذي أبت عليه عزة نفسه أن يريقه أمام الحاضرين بالتذلل والسؤال، وكانت له حاجة إلى مبلغ يقضي به حاجته لا يريد أكثر منه.
والحمد لله الذي وفقني لإجابته وفهم مراده وحفظ ماء وجهه أمام الحاضرين. ولو أقسمت ألف مرة ان ما دفعته له فيه لقليل، لما حنثت في يميني. انتهى.
تروي هذه القصة موقفا إنسانيا، فيه من الحكمة والشهامة، فقد يكون أقرب الناس لنا بحاجة ما لكنه لا يطلب أحدا عزة في نفسه، وينبغي علينا التفرس بأقربائنا وجيراننا وأصدقائنا كوننا أقرب الناس لهم، ولكن الحياء والعفاف وحفظهم لماء وجوههم قد منعهم الكلام، ومن ثم تبني حاجتهم، وقد جاء في الأثر: ارحموا عزيز قوم ذل، وغنيا افتقر.
أعجبني موقف لأحد التجار عندما زاره صديق متقاعد، فعرض عليه وظيفة إشرافية تليق به، وراتبا مجزيا في إحدى شركاته، فتصنع الاعتذار ثم قبل، فقد كان هذا الصديق مسؤولا قياديا له وضعه الاجتماعي، وخدم الناس بما استطاع، فلما تقاعد فقد الوضع الاجتماعي والراتب العالي، فكف عنه حرج السؤال وبادره بالعرض.
نعم.. إن استطعت أن تفهم حاجة أخيك قبل أن يتكلم بها فافعل، فإذا لم تستطع أن تسمع صمت أخيك، فلن تستطيع أن تسمع كلماته.
تعليقات