#جريدة_الآن - حسن فتحي يكتب: الروشتة الإلكترونية .. حياة أو موت!

زاوية الكتاب

كتب حسن فتحي 470 مشاهدات 0


الأهرام المصرية:

في فيلم "حياة أو موت" للمخرج كمال الشيخ، كان هذا التحذير هو الأشهر في السينما المصرية: "من حكمدار العاصمة إلى أحمد إبراهيم القاطن في دير النحاس.. لا تشرب الدواء الذي أرسلت ابنتك في طلبه.. الدواء فيه سم قاتل".

فعندما اكتشف الصيدلي "حسين رياض"، أنه وضع بالخطأ سمًا في مكونات تركيبة الدواء، استطاع خلال نصف ساعة أن يتصل بالطبيب المدون اسمه على "الروشتة" ليعرف اسم المريض، وسريعًا تأكد أن اسمه أحمد إبراهيم، وخرج مسرعًا ليصل إلى منزله بعد أن عرف عنوانه، وعندما وصل اكتشف أنه انتقل لمسكن آخر لا يعرف أحد مكانه، وخرج مسرعًا ليتقدم ببلاغ إلى قسم الشرطة.

لكن "الشاويش" الذي اهتم بقصة الخاتم الذي ابتلعه اللص استنكر موقف الصيدلي الذي يطالبه بالبحث عن شخص وسط آلاف المواطنين، وكان تعداد القاهرة حينئذ 2 مليون في عام 1954، مما دفع الصيدلي لسرعة التوجه نحو المحافظة لمقابلة حكمدار العاصمة.

واضطرت السلطات وقتها أن تبث هذا البيان في الإذاعة لتصل إلى المدعو أحمد إبراهيم "الفنان عماد حمدي"، بأي طريقة بعد أن فشلوا في البحث عنه وعن ابنته التي اشترت الدواء من صيدلية بالعتبة.

المهم أن السلطات - الممثلة في وزارة الداخلية - وقتها نجحت أخيرًا في العثور على المواطن أحمد إبراهيم، طبعًا لاكتمال "حبكة الفيلم"، ولأن "المخرج عايز كده".

والسؤال الآن.. ماذا لو كان الطبيب نفسه "خطه سيئ"، والصيدلي حديث التخرج، وربما مساعده، حيث تعج صيدليات مصر بالمساعدين من حملة المؤهلات المتوسطة، وغير المؤهلين بالمرة للتعامل مع أي وصفة طبية؛ لكنهم غالبًا يبادرونك بطلب الروشتة، ويسعون لإحضار الدواء المدون بها، دون أي مراجعة من الصيدلي الذي من المفترض أن يقوم هو بقراءة الروشتة ومراجعة الدواء والجرعات فيها.

بالطبع إن كان الصيدلي لم ينتبه وترك مسئولية صرف الدواء لمساعده، في هذه الروشتة "السيئ خطها"، دون أن يكون لديه شجاعة الاعتراف بأن "الخط مش واضح" وينصح المريض بمراجعة طبيبه، هنا قد تقع الكارثة، فقد يتناول المريض دون أن يدري جرعة مضاعفة من دواء قد تودي بحياته.

بالطبع من سابع المستحيلات أن يتكرر هذا المشهد السينمائي على أرض الواقع، برغم الزخم الهائل من وسائل التواصل الاجتماعي، التي تراها كثيرًا "تشغل بالها" بتداول صورة "واحد تايه أو واحد عامل حادثة" ربما لعدة أشهر، وقد يكون التائه عاد لأهله والمصاب "مات وشبع موت"!

من هنا تأتى أهمية "الحملة الإلكترونية" التي أطلقها بعض الصيادلة، للمطالبة بضرورة أن تكون "الروشتة" مطبوعة إلكترونيًا، مثلما هو الحال في كثير من دول العالم، حماية للمرضى من صرف دواء بجرعة قاتلة؛ لأن الصيدلي "اجتهد من تلقاء نفسه" في فك طلاسم الروشتة "السيئ خطها".

حافز إطلاق هذه الحملة الإلكترونية، جاء بسبب تكرار واقعة المواطن "أحمد إبراهيم"، لكن لسوء الحظ تناولت المريضة "حقيقة وليس تمثيلًا" الدواء بجرعة مضاعفة "خمس مرات"؛ لأن خط الطبيب "سيئ" والصيدلي الذي صرف الروشتة يعمل في سلسلة صيدليات شهيرة، وكان مصيرها الرعاية المركزة، ولولا ستر ربنا ووعي أبنائها كانت ماتت.

هذه المريضة تم إنقاذها، ولكن ـ وكما تقول مبررات الحملة الإلكترونية ـ هناك عشرات ومئات قد يكونون صرفوا أدوية قرأ وصفتها الصيدلي بـ"الغلط"، ممكن أن يكونوا قد ماتوا بالفعل، من تناول جرعة مضاعفة أو خاطئة، ويضربون مثلًا لاحتمال حدوث الوفاة، بصرف دواء "لانوكسين بدلاً من لاكسين" ، أو الإصابة بفشل كلوي بعد صرف "كيتولاك بدلًا من كيتوفان"!!.. وغيرهم وغيرهم.

إنها صرخة تأخرت كثيرًا، للمطالبة بتطبيق الروشتة الإلكترونية، والتي سبقتنا إليها عربيًا دولة مثل العراق، والتي ألزمت كل العيادات والمراكز الطبية بتنفيذها، بل منعت الصيدليات من صرف الروشتات المكتوبة بخط اليد..

الأهم هو نشر الفكرة.. للضغط والتأثير في أسرع وقت.. ولا يصح أن نلقي بكامل المسئولية على الصيدلي، لأنه يخشى نظرة المريض إليه، عندما يقول له "أمال تبقى صيدلي إزاي لما ما تعرفش تقرا الروشتة؟!"..

فالطبيب هو المسئول الأول عن صحة المريض، ودقة جرعة الدواء التي تناسبه، لأن واقعة "المواطن أحمد إبراهيم" ربما تتكرر يوميًا، وغالبًا "يموت ويشبع موت" وأهله ـ الذين وضعوا ثقتهم في الطبيب والصيدلي ـ لا يعرفون أن السبب هو جرعة قاتلة من دواء كان المأمول منه الشفاء لا الوفاة!

تعليقات

اكتب تعليقك