الإسلاميون... في الطب والهندسة - يكتب خليل علي حيدر
زاوية الكتابكتب خليل علي حيدر ديسمبر 26, 2018, 10:57 م 804 مشاهدات 0
الجريدة:
تجد بين "الصفوة العلمية" الخليجية والمصرية والباكستانية والتركية والإيرانية من لا يفرق على الإطلاق بين الدولة الإسلامية كما تبشر بها الأحزاب الدينية على الورق وفي بطون الكتب وعلى شاشة الكمبيوتر والمحاضرات، وبين مستلزمات إقامة مثل هذه الدولة وتثبيت أركانها في وجه معارضيها... في واقع الحياة.
يلفت نظر الدارسين لظاهرة الإرهاب والتنظيمات الإسلامية المسلحة أمران أكثر من غيرهما!
الأول أن قلة نادرة من الإرهابيين يُعَدون ضمن المتخصصين في الدراسات الدينية، إذ إن 13 في المئة فقط منهم، تقول البحوث، تلقوا تعليمهم الأوّلي في مدارس دينية! والثاني أن العلوم الطبيعية تحتل قمة التخصصات حتى بين القادة.
من بين هؤلاء الباحثين في الظاهرة الطبيب النفسي الأميركي عضو معهد بحوث السياسة الخارجية مارك ساجمان Sageman، الذي عمل في صفوف المخابرات الأميركية بأفغانستان في الفترة من 1987 ـ 1989، وكان من أهم من حاولوا تقديم دراسة إحصائية تكشف عن هويات أولئك الإرهابيين، فراجع البحوث المتوافرة فيما يتعلق بمرتكبي جريمة 11 سبتمبر 2001 في نيويورك، وقام بجمع السير الذاتية لهؤلاء، وعلى رأسها ملفات المحاكمة وغير ذلك. واكتشف من جملة ما جمع من ملفات ومعلومات وسير حياة تفصيلية أن ثلاثة أرباع أفراد العينة ينحدرون من الطبقات المتوسطة والغنية، و90 في المئة منهم نشأوا في رعاية أسر متماسكة، و63 في المئة التحقوا بكليات جامعية، وبالتالي "فإنهم يعتبرون من خيرة أبناء تلك المجتمعات ممن بعثت بهم أسرهم لاستكمال دراستهم بالخارج"، كما يقول د. قدري حفني أستاذ علم النفس السياسي في دراسة قيمة له عن وسائل بناء الجماعات الإرهابية والتحكم بها عن بعد! (انظر ملحق دورية اتجاهات الأحداث، يوليو 2015).
ووجد الباحث الأميركي المذكور (ساجمان) كذلك أن هؤلاء الإرهابيين أميل إلى الاستقرار الأسري حيث إن 73 في المئة منهم متزوجون، وأغلبية هؤلاء لهم أطفال.
ومن مفاجآت إحصائيات ساجمان التي يوردها د. حفني أن "من يعانون اضطرابات نفسية ـ من بينهم ـ أربعة أفراد فقط من بين 400 فرد، وهو ما يقل كثيراً عن المعدل المعروف لانتشار مثل تلك الاضطرابات".
ومنها كذلك أنه "من بين من ارتكبوا جريمة 11 سبتمبر لا يوجد لأي منهم سجل إجرامي".
وجد الباحث كذلك أن "ثلاثة أرباع العينة مهنيون يعملون في مجالات الهندسة الميكانيكية والمدنية والمعمارية".
ويقول د. حفني، الأستاذ في جامعة عين شمس بمصر، إن الباحث ساجمان توقف عند حدود رصد انتماء أغلبية هؤلاء إلى تخصصات العلوم الطبيعية، وإن قلة منهم تلقت تعليماً دينياً بشكل أو بآخر، ولكنه لم يستطع تقديم تفسير واضح.
ويضيف د. حفني: "ويلاحظ ذات الأمر في الدول العربية، فالأغلبية العظمى ممن اجتذبهم النشاط الإرهابي كانوا من دارسي التخصصات العلمية".
ولكن لماذا نرى مثل هذه الظاهرة بين طلاب العلوم العرب والمسلمين؟
يُرجع د. حفني اختيار هؤلاء لطريق الإرهاب، كما يقول في دراسته، إلى "حقيقة أن أعداد طلاب التخصصات العلمية لا تتضمن طوال سنوات تعليمهم مقرراً دراسياً واحداً يتعلق بالمنطق أو الفلسفة أو تاريخ الفكر، أو ما إلى ذلك من موضوعات".
والواقع أننا كثيراً ما نشاهد بعض الأدلة التي تدعم آراء د. حفني وبحوث ساجمان في الأوساط العلمية الخليجية والعربية والإسلامية بين المهندسين والأطباء وكثير غيرهم، ممن يقطرون تعصباً للإسلام والدفاع عن تياراته السياسية وأحزابه، وعن ضرورة إقامة الدولة الإسلامية وتطبيق الشريعة في أسرع وقت، مع إغلاق كامل للعقول حول التفاصيل!
ومن النادر أن تجد بين هؤلاء من يعي مشاكل إقامة مثل هذه الدولة أو يلتفت إلى تجارب وانتقادات الإسلاميين أنفسهم لجماعات الإخوان والسلف والأحزاب الشيعية، أو يدرك طبيعة العصر ومبادئ حقوق الإنسان، أو استحالة الجمع بين الدولة العقائدية التي ينشدها الإسلاميون وبين الديمقراطية والحريات السياسية والاجتماعية والفكرية، وأن دولة كهذه ستكون حتماً دولة بوليسية تطارد المعارضين وتسجن أو تهمش من لا يوافق قادتها... حتى في مستشفيات هذه الدولة أو مؤسساتها العلمية وجامعاتها وجهازها الوظيفي!
وتجد بين "الصفوة العلمية" الخليجية والمصرية والباكستانية والتركية والإيرانية من لا يفرق على الإطلاق بين الدولة الإسلامية كما تبشر بها الأحزاب الدينية على الورق وفي بطون الكتب وعلى شاشة الكمبيوتر والمحاضرات وبين مستلزمات إقامة مثل هذه الدولة وتثبيت أركانها في وجه معارضيها... في واقع الحياة.
ثمة أزمة ثقافية عميقة في الحركة والأحزاب الإسلامية في كل العالم العربي والإسلامي وخارجه. هذه جماعات ضخمة من الشباب الذي لا علاقة له بالثقافة والفنون والآداب العربية، لا إقبالاً ولا إبداعاً! ولعل ضحالة الفكر السياسي للكوادر العلمية العربية وعدم تعمقها في الآداب والفلسفة والفنون والفكر وغير ذلك مجرد وجه واحد لهذا البؤس الفكري وضيق الأفق الذي تجلى واضحاً في مصر على مدى عام كامل من حكم الإخوان بعد انتظار الفرصة التاريخية... نحو قرن!
وكما سنرى، لا يتوقف الأمر على الكوادر العلمية، بل حتى على الكوادر الدينية!
تعليقات