محمد الرميحي يكتب عن واقع التنمية الفكرية والعلمية والثقافية فى الوطن العربي

زاوية الكتاب

كتب د. محمد الرميحي 1115 مشاهدات 0


الإهرام

كثيرة هى التقارير التى تصدر من مؤسسات مختلفة تتناول الوضع العربي، إلا أن تقرير مؤسسة الفكر العربي، تقدم لنا من الداخل كم هو وضعنا العربى مشحون بالعوار، التقرير العاشر للمؤسسة حمل ذلك العنوان الذى ينبئ عن الحقيقة (الابتكار او الاندثار) وأن يصدر التقرير العاشر هو بحد ذاته انجاز.

 التقرير العاشر يقرع جرس يصم آذان العرب المهتمين بالتنمية ، فهو يناقش على مدى تقريبا خمس مائة وخمسين صفحة ( واقع التنمية الفكرية والعلمية والثقافية فى الوطن العربي) مركزا فى مجمل التقريرعلى القصور الذى يعترى مجالات البحث العلمى العربي، حيث ان هناك علاقة عضوية بين مثلث التنمية وهى عمليات انتاج المعرفة والنمو الاقتصادى والاستقرار السياسي، وقد أصبحت المعرفة مصدرا للدخل لمجتمعات عديدة، يفوق فى بعضه دخل المواد الأولية أو الصناعة او حتى تسويق المواد الخام كالنفط والغاز! ويلحظ التقرير بكثير من الألم أن إجمالى عدد الوثائق العلمية (الابحاث العلمية المنشورة) فى الوطن العربي، بكل الاربع مائة مليون من البشر، لا يتجاوز 1.37 % من عدد الوثائق البحثية فى العالم، هذا الرقم وأرقام أخرى فى التقرير، تنزل كالصاعقة على المتابعين العرب، كم نحن فقراء فى هذه الساحة التى يتسابق فيها المجتمع الدولى من أجل الحصول على نسبة معقولة من الابتكار وبالتالى الاستثمار.

المعلومات المتوافرة فى التقرير ترسم لنا خريطة القصور العربى فى هذا المجال الممتدة من ضعف فى التعليم بشكل عام الى شح فى تمويل البحث العلمى الى فقر فى المؤسسات والمأسسة، وغياب فى الارادة السياسية، كما يكشف من جهة أخرى التطور الهائل فى العام لما يعرف بالذكاء الاصطناعي. الهدف الأساس من هذا التقرير هو إخضاع منظومة البحث العلمى العربى فى عدد من المجالات للمساءلة والاستقصاء والنظر فى مدى استجابتها لبرامج ومتطلبات الإنتاج المعرفي. 

يتضح من هذا التقرير ليس مدى ضعف الانتاج العلمى فى الساحة العربية ككل، ولكنْ ايضا ضعف غير مبرر فى وجود المعلومات الاولية على مستوى الدولة العربية الواحدة، تلك المعلومات تشكل المادة الخام لهذه الاستقصاءات، فقد لجأ التقرير نتيجة ذلك الشح الى مصادر دولية، قد لا تكون دقيقة. أما المقارنة بالجوار فيشكل صدمة أخري، حيث إن الدول المجاورة فى الإقليم تتقدم على مجموع الجهد البحثى العربي.

ربما لأول مرة يتطرق تقرير عربى لضعف منظومة البحوث فى المجالات الاجتماعية، فقد ركزت تقارير مختلفة دولية وإقليمية على رصد الضعف فى البحث العلمي، سواء فى العلوم البحتة او التطبيقية، إلا أن الحديث عن العلوم الاجتماعية قليلا ما يلتفت اليها، والبحث فى العلوم الاجتماعية اصبح اليوم على نطاق عالمى للتمهيد لتطور بقية العلوم، وفى رأى كثيرين ما نشاهد من استقطاب حاد فى مجتمعاتنا وبثور سلبية، هى نتاج نقص شديد فى البحوث الاجتماعية بكل تفرعاتها، من هنا جاءت إشارة التقرير العاشر لأهمية البحوث فى المجال الاجتماعى والعقبات التى تواجهها من المجتمع المحافظ الذى لا يسمح بسقف معقول فى البحث الاجتماعي.

البحث فى العلوم الاجتماعية هى مقدمة إنجاح البحوث فى المجالات الأخري! كما يناقش التقرير بصراحة مظاهر الخداع فى بعض البحوث العلمية الممولة من شركات كبري، من أجل الترويج لمنتج طبى أو غذائى أو عسكرى او غير ذلك، ويحذر التقرير من أخذ نتائج تلك الأبحاث دون مراجعة وتمحيص، كما يناقش الخداع الذى مظهره علمي، وهو فى الحقيقة خرافة، خاصة المنتشر فى وسائل التواصل الاجتماعى فى مجتمعاتنا العربية، والتى يشيع فيها الكثير من الافكار العبثية و التراثية غير المحققة! ويتابع التقرير العاشر ذلك الشح فى وسائل الاعلام المكتوبة، كالصحف والمجلات و المتخصصة الى ما يعرف بالاعلام العلمي، فمن بين 120 صحيفة تصدر فى الوطن العربي، فقط عشرون منها تخصص صفحات دورية لنشر المعلومات العلمية الموثقة، اما عن ندرة الدراسات فى مجال الإعلام العلمى فهى مشاهدة ويذكرها التقرير باستفاضة.

هذا التقرير (الابتكار او الاندثار) هو تقرير جاد، وعلى كل المهتمين بالبحث العلمى فى وطننا العربى الاطلاع عليه لمعرفة العقبات والمثالب التى تواجهنا كعرب فى هذا المجال الحيوى المهم!.

تعليقات

اكتب تعليقك