محمد الرميحي: ليس فيهم امرأة قيصر!

زاوية الكتاب

كتب د. محمد الرميحي 769 مشاهدات 0


ليس سهلاً أخذ موقف تجاه الحرب الدائرة في أوكرانيا. يعتمد الموقف على مصلحة القائل أو خلفيته الأيديولوجية او مخزونه الثقافي أو حتى الهوى السياسي او تحيزاته تجاه الشرق او الغرب.
 
الموقف العقلاني يمكن أن يُبنى على ثلاث ركائز من هذه الحرب.
الركيزة الأولى: إن الغرب والولايات المتحدة ليسا امرأة قيصر في الاشتباك الدولي... هذا المعسكر قد ارتكب ولا يزال يرتكب الكثير من الأخطاء تجاه العالم الثالث. ارتكب حماقات في فيتنام وأخرى في أفغانستان وثالثة في أميركا الجنوبية، كما ارتكب المعسكر الغربي ذلك في الجزائر "فرنسا" والهند "بريطانيا" من أمثلة عديدة، والذاكرة الإنسانية مملوءة بالشواهد على ذلك الحمق التاريخي والمعاصر. لقد تم افتراس شعوب وأوطان لأسباب في ظاهرها "الرحمة" وفي باطنها كل العذاب.
 
الركيزة الثانية: إن الاتحاد السوفياتي وما خلف وراءه أي روسيا الاتحادية، ليسا كذلك امرأة قيصر، يكفي الإشارة إلى أفغانستان إبان الحقبة السوفياتية والشيشان في الحقبة الروسية، وأخيراً التدخل في سوريا وأوكرانيا. لقد كان ولا يزال تدخلاً شرساً بأسنان حربية فتاكة تقتل عشرات الآلاف من المواطنين العزل وتهجر ملايين من السوريين والأوكرانيين. غضب الغرب على الأوكرانيين غضبة كبرى وصرف النظر جزياً عن السوريين!
 
أخذاً بالنقطتين السابقتين فإن القوى الكبرى لها ما تراه من مصالح، فليس هناك ملاك وآخر شيطان، هناك مصالح تعظم أو تضعف ويسعى لتعظيمها طرف وتقليلها من طرف آخر، ويُجند حولها الساسة والإعلام.
 
اذاً الركيزة الثالثة أن الميزان الذي يتوجب أن يُلجأ اليه هو من شقين، الأول، مبادئ القانون الدولي والثاني هو القانون الأخلاقي والإنساني، فأن تقوم دولة بانتهاك حدود دولة أخرى بالقوة العسكرية، ذلك ضد القانون الدولي وغير مقبول، لذلك نجد أن التصويت في الجمعية العامة للأمم المتحدة في مطلع شهر آذار (مارس) الجاري قد دان التدخل الروسي، فأوكرانيا دولة اعتدي عليها، بصرف النظر عن شكل نظامها السياسي، وقد لا يكون للبعض مقبولاً وقد يكون لآخرين ديموقراطياً... التصويت في الغالب خوفاً من تكرار الظاهرة!
 
لقد قضيت الأسبوع الماضي في سباق بين قراءة نص متميز له علاقة بالجهد الدولي القانوني في الأزمات الدولية، وبين متابعة ما يحدث على شاشات التلفزة من حرب، ربما هي من السوابق تُخاض أمام العالم للتو واللحظة. النص الثابت هو كتاب الأستاذ محمد عبدالله أبو الحسن، والذي كان مندوباً للكويت في الأمم المتحدة بين عامي 1981 – 2003 (أكثر قليلاً من عقدين من الزمان) وثّق في هذا الكتاب الغني بالمعلومات الموثقة يتطرق الى حدثين كبيرين، بل وضخمين في تاريخ العالم المعاصر، هما الحرب العراقية - الإيرانية 1981- 1988، ومن ثم غزو النظام العراقي للكويت 1990-1991. في هذا الكتاب وعنوانه "حقائق وخفايا ذكرياتي" نشر هذا العام، يصف أبو الحسن مواقف الدول بين شد وجذب بحسب مصالحها تجاه ربما أكبر كارثتين في نهاية القرن العشرين، الأولى والثانية، كما يؤصل المعركة القانونية لتأكيد قواعد القانون الدولي التي توافقت عليها الأمم وطورتها بعد الحرب العالمية الثانية.
 
في الحرب العراقية - الإيرانية يذكر أبو الحسن أن القرار الدولي، بعد الكثير من تشكيل اللجان للتحقيق، وصل الى "مسؤولية العراق عن بدء الاعتداء على إيران" بصرف النظر عن أية استفزازات قبل ذلك من أي من الطرفين، كما أن مجلس الأمن دان النظام العراقي في غزوه واحتلاله للكويت بحسب تلك القواعد، الا أن الوصول الى ذلك لم يكن سهلاً، فقد وقفت بلدان وحكومات وأجهزة مع المعتدي وغلفت مواقفها بالكثير من الكلام المنمق والمخادع.
 
من الطبيعي أن تأخذ الدول ذات الطبيعة العدوانية مجموعة من الخطوات لـ"بناء جدار الذرائع"... حدث ذلك تجاه إيران من عراق البعث، كما كرر ذرائعه بطريقة أخرى تجاه الكويت، ولقد أصبحت تلك الذرائع معروفة وسردها بشكل واضح أبو الحسن في كتابه، كما سُردت في عدد من الوثائق والكتب. يعود من جديد النظام في موسكو الى ذرائع مختلفة، بعضها متناقض، من أجل تبرير ما قام به كما وصف حربه أنها "حملة عسكرية"! مع حزمة أخرى من الذرائع. يتوقف المراقب للنظر كيف أن الدول صغرت أو كبرت تعمى عندما تقرر أن لها مصالح عن مبادئ القانون الدولي الذي وقعت عليه، وترى أن القوة فوق الحق، ليس كما قرر المجتمع الدولي أن الحق فوق القوة.
 
استخدام القوة المفرطة لإرغام شعب للخضوع الى شعب آخر هو الذي يتوجب أن يدان قانونياً وأخلاقياً، وإلا أصبح العالم غابة يأكل فيها الكبير الصغير، والملاحظ أن جُل من يفعل ذلك زعامات "مؤلهة" تفترض أن قرارها الشخصي يجب أن يُنفذ وغالباً يتخذ في إطار الحسابات الخاطئة، وترغم حتى شعبها للتصفيق لتلك القرارات، ومن يخرج عنها يوضع في مكان الخيانة وربما القتل!
 
هنا جملة ما أريد أن أصل اليه، فقد كانت قباحة فيتنام مثلاً مكان اعتراض لقلة ثم كبرت في الجسم السياسي والإعلامي الأميركي، كما أن قباحة ما قامت به العسكرية الفرنسية في الجزائر كان له معارضوه قليلاً ثم كثيراً، أي في المجتمعات ذات النظام السياسي المرن تجد من يعارض علناً سياسات ذلك النظام، بحسب المتاح من القانون. في النظام السياسي الشمولي يأخذ الزعيم بلده الى جهنم ولا يستطيع أحد أن ينتقد ذلك علناً! هذا العمل ما يقرر الوقوف الأخلاقي النسبي مع الصحيح من التاريخ إن حكمت عقلك لا عاطفتك! فأنت مع النظام السياسي الذي إن أخطأ سمح وإن على مضض بنقده، أما الشمولي فمساحة النقد معدومة، وعلى سبيل المثال، هل سمع أحد بتيار في روسيا ينتقد تدخلها في سوريا؟ جميعهم ليس بينهم امرأة قيصر، ولكن بينهم من هي أكثر حياءً!

تعليقات

اكتب تعليقك