د. عبداللطيف بن نخي يكتب: منهجية معالجة أزمة «البدون»

زاوية الكتاب

كتب د. عبد اللطيف بن نخي 1004 مشاهدات 0


الراي:

تضمنت المادة رقم 25، من قانون إقامة الأجانب الذي صدر في العام 1959، قائمة بالذين تم استثناؤهم من أحكام ذلك القانون. وكانت فئة «البدون» من بين الذين تم استثناؤهم، وفق البند «د» من تلك المادة، الذي يستثني كل «من يرى رئيس دوائر الشرطة والأمن العام استثناءهم بإذن خاص لاعتبارات تتعلق بالمجاملات الدولية».
هذا الاستثناء جاء متسقا مع واقع الحدود الكويتية في تلك المرحلة، حين كان سكان البادية يتنقلون عبر الحدود من دون التدقيق على أوراقهم الثبوتية. بل إن الحكومة فتحت لهم أبواب لجان التجنيس مرتين، بعد إصدار قانون الإقامة: الأولى في الأعوام من 1961 إلى 1963، والثانية من 1967 إلى 1971. ولكن العديد من سكان بادية الكويت لم يعلموا عن حملات التجنيس تلك، لأنها كانت انتقائية، ولم ترافقها حملة إعلانية مناسبة، فدوافعها كانت سياسية لا حقوقية.
لذلك نجد اليوم بين فئة «البدون»، عشرات الآلاف من الذين كانوا هم أو آباؤهم مشمولين في إحصاء عام 1965، لكن لم يجنسوا في حملة التجنيس الثانية التي انتهت في العام 1971. بل إن من بينهم من يحتفظ إلى اليوم، بهوية عمله أو هوية عمل والده في شركة نفط الكويت، صادرة في الأربعينات والخمسينات من القرن الماضي!
خلال أيام دراستي في الثانوية، كنت أعتقد أن مشكلة «البدون» هينة وموقتة. فمن جانب كانت الحكومة تعاملهم كالكويتيين ولكن من دون حقوق سياسية، ومن جانب آخر كنت أعلم أن الحكومة كانت تجنس مجموعات منهم من حين إلى آخر. ولكن واقع «البدون» اليوم مغاير تماماً لما كنت أتوقعه. فلم يتم تجنيس عشرات الآلاف من المستحقين كنظرائهم الذين جنسوهم بعد العام 1965. وفي ذات الوقت تمادت الحكومة في التضييق عليهم، لإجبارهم على تغيير أوضاعهم من «بدون» إلى مقيمين ولو عبر الحصول على جوازات سفر يتبين لاحقا أنها مزيفة.
على مدى سنوات طويلة، أحوال «البدون» كانت تتدهور من سيئ إلى أسوأ، بالتزامن مع مطالبات بتحسين أوضاعهم وتجنيسهم، تبناها نواب مجلس أمة ونشطاء حقوقيون كويتيون و«بدون». لذلك، قد يكون هذا التزامن مؤشراً على أن منهجية مطالباتهم كانت، بقصد أو من غير قصد، جزءاً من تفاقم الأزمة لا حلها.
فمن يريد أن يعالج أزمة «البدون» فعليه أن يتفهم جميع أبعادها، وبالأخص بعدها الأمني. وعليه أن يستوعب تخوّف الحكومة من تأثير «البدون» على الأمن والنظام. هذا التخوف تضاعف بعد أن استنزفت حرب الخليج الأولى الجارتين الكبيرتين، إيران والعراق. وأنتج في العام 1986، سياسة حكومية متعسّفة تجاه «البدون». لذلك من يريد أن يعالج أزمتهم، فعليه أن يخفف ذلك التخوف الحكومي أولا. وإلا سيكون مصير جهوده كمصير الجهود العشوائية السابقة.
هناك جبهتان رئيسيتان للعمل على تغيير سياسية عام 1986 الحكومية تجاه «البدون»: جبهة الحكومة وجبهة «البدون». فعلى الجبهة الحكومية يمكننا - على سبيل المثال - تشجيع الدراسات الأكاديمية التي تكشف الآثار السلبية لسياسة 1986 على الأمن الوطني الشامل، في البعدين الخارجي والداخلي. ففي البعد الخارجي، أدعو علماء السياسة إلى تقييم تبعات سياسة التضييق المطبقة حاليا على «البدون»، على سمعة الكويت في المجتمع الدولي، وعلى الحصانة الدولية الداعمة لسيادتنا الوطنية. وفي البعد الداخلي، أناشد مكتب الإنماء الاجتماعي إعداد دراسات أكاديمية حول الآثار السلبية لسياسة التضييق، المطبقة منذ سنوات طويلة على «البدون»، على معدلات الجرائم وعلى الأمن الداخلي والاستقرار المجتمعي. هذه الدراسات الأكاديمية ينبغي أن تكون مرتكزاً لجهاز الأمن الوطني، لترشيد السياسة الحكومية تجاه «البدون».
واما على جبهة «البدون»، فأقول لهم احذروا النواب والسياسيين الذين استغلوكم، على مر عقود من الزمن، لتعزيز مواقفهم السياسية، بصورة رسّخت التخوف الأمني. وأقول لهم إن مشاركتكم في مظاهرات، تزامنت مع حراك الربيع العربي بالكويت، رسخت كثيراً ذلك التخوف الحكومي. وأدعوهم إلى تنمية وعيهم السياسي، حتى يستكشفوا خفايا تحركات السياسيين، وعلاقتها بالصراعات السياسية والمنافسات الانتخابية.
لذلك أرى أن توفير التعليم العام والعالي «للبدون»، ليس فقط خياراً حكومياً مناسباً، بل ضرورة استراتيجية مستعجلة، لمعالجة الأزمة، على ضفة الحكومة وضفة «البدون»، بصورة تتناغم مع رؤيتنا الاستراتيجية: كويت جديدة. وهذا ما سأتناوله في مقال الأسبوع المقبل بإذن الله. «اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا اتباعه».

تعليقات

اكتب تعليقك