عندما يكون الفساد مشروع مكاسب سياسية - يكتب ناصر العبدلي
زاوية الكتابكتب ناصر العبدلي ديسمبر 6, 2018, 11:38 م 896 مشاهدات 0
الراي:
هناك فرق كبير بين العمل على إصلاح الأوضاع المتردية في البلد على كل الأصعدة، واستخدام مشروع الإصلاح كورقة للاستفادة منها في تحقيق مراكز متقدمة في المناصب المحورية في الدولة، وأعتقد أن كثيراً من المواطنين ظل طوال الفترة الماضية لا يميز بين الأمرين، وربما خُدع الكثيرون ليتبنوا الأخير على اعتبار ألّا فرق بينهما.
الأمر الأول مشروع وطني «مشروع الإصلاح الاقتصادي والسياسي»، وقد تبناه بعض الناشطين على الساحة من خلال «فعاليات اقتصادية واجتماعية»، وهو لا ينتمي لأي من التيارات السياسية، ولا يهتم كثيراً بأن يكون جزءاً من البرلمان أو الحكومة، على أن يبدأ هذا المشروع بتخلي الدولة عن وسائل الإنتاج تدريجياً، ماعدا «الأمن، الصحة، التعليم»، وترك أمر تنظيمها وإدارتها للفعاليات الشعبية، ومن ثم تتفرغ الحكومة للتفكير والتخطيط.
الأمر الثاني مشروع انتهازي لا وطنية فيه، بل وجد لإزاحة الخصوم السياسيين والاستحواذ على مقدرات البلد لتوظيفها في مصلحة ذاتية، وربما كان أبرز تجليات هذا المشروع العمل على «تضخيم» الفساد في البلد - إعلامياً ونفسياً - حتى تدجّن المواطن بأنه لا إنقاذ مما يجري إلا على يد هذا الشخص «الملهم» أو «المنقذ»، وإذا لم يسمح له فأن العواقب هي ضياع البلد.
أصحاب المشروع الثاني شنوا حملة اعلامية شرسة - اتخذت مسميات وطبائع كثيرة - واستخدمت وسائل التواصل الاجتماعي على كل البدائل الأخرى، سواء أكانت تلك البدائل في خصام سياسي معهم أم لا، والهدف حصر الخيارات في مربع واحد حتى لا يجد المواطنون البسطاء أمامهم إلا بصيصا من أمل ليتعلقوا به - أصحاب المشروع الثاني - لينقذوهم من دوامة الفساد تلك، ولايعلم أولئك أن مايرونه مجرد سراب.
مشروع استخدام شعارات الإصلاح دمر كل شيء جميل، حتى يصل إلى هدفه بدءاً من «حثو» قطاعات الدولة المختلفة بأصحاب الولاءات لهذا المشروع، وإبعاد أي كفاءة حريصة على الحفاظ على مقدرات الدولة، مرورا بالمؤسسة البرلمانية ومكوناتها، وانتهاء بالمؤسسات الشعبية المختلفة، ومن لم يستجب تشن عليه أبواق التشكيك والترهيب.
لا بد من التمييز بين المشروعين واستنهاض قوى الإصلاح «العاقلة» للوقوف أمام المشروع الثاني لخطورته على البلد، فليس من المعقول أن يقوم شخص ما أو مجموعة بنشر الفساد وتضخيمه في البلد إعلامياً ومعنوياً للحصول على مكاسب شخصية، وننتظر من ذلك الشخص أو تلك المجموعة أن تقوم بإصلاح أوضاع شاركت هي في تخريبها، وليس هناك مشكلة أن ينحصر الرهان في قلة، فكل مشاريع الإصلاح الحقيقية قامت بها قلة كما يذكر التاريخ.
تعليقات