خطاب مفتوح في تمجيد الحاضر! - يكتب محمد ناصر العطوان

زاوية الكتاب

كتب محمد العطوان 654 مشاهدات 0


الراي:

عاشت الكويت كمية لا بأس بها من الضحك والإبداع الساخر، نتيجة الخبر الذي نشر حول الاكتشاف الأثري في منطقة «بحرة 1» شرق الكويت الذي احتوى على 16 ألف قطعة فخار وعشرة هياكل لـ«دولة العبيد» قبل 7500 عام تقريباً.
ويقال إن «دولة العبيد»، هي المؤسسة لحضارة بلاد الرافدين، ما جعل السخرية والكوميديا السوداء تصل إلى حد اعتبارنا ككويتيين أقدم من الفراعنة والمؤسسين لبلاد الرافدين.
ولا شك أن هذا اكتشاف مهم يشكل قيمة مضافة للمتحف الوطني... أما أهل الكويت فتاريخهم يصنعونه باستمرار في حاضرهم ومن دون توقف، ومن دون قطع أثرية.
في الوقت الذي كانت تظهر فيه دول وتختفي في شبه الجزيرة، كانت الكويت تسير بخطى هادئة ومسالمة مع الجميع، حتى قال جورج بروكس في تقرير لحكومة بومباي حول الملاحة في الخليج عن الكويت: «وقد نعموا بسلام في الوقت الذي سادت فيه الاضطرابات جميع أجزاء الخليج الأخرى... إنهم يتمتعون بأمجاد بحرية وتعترف القبائل البدوية جزئياً بسيادة شيخ القرين».
لم تمنع الكويت أحدا من عبور بواباتها بشرط واحد فقط، هو أن يترك سلاحه عند البوابة احتراماً لبلد تأسس كمحراب للأمن والسلام. ورغم أن الكويت لم يعرف عنها أنها بلد حرب ودار قتال إلا أن كل من حاول أن يسرق ماشية واحدة من مواشيها كانت تلاحقه وتجعله يندم على ذلك.
ومن أمير القلوب - رحمه الله - الذي دعا إلى إنشاء مجلس تعاون خليجي إلى أمير الإنسانية - حفظه الله - الذي يسعى للحفاظ عليه في وقت انهارت فيه دول وتشردت شعوب.
ومن مجلس أمة لم يتأسس في عام 1961 فقط، ولكنه تأسس قبلها عام 1751 مع صباح الأول بنهج الشورى، قبل أن يكتشف العالم أن هناك قارة أصبح اسمها استراليا وتسير بنهج ديموقراطي، وشعب يثبت في كل مرة أنه يستحيل أن يدير ظهره لبعضه البعض وقت الأزمات... ولا يتخلى عن قيادته وقت الملمات، وإن أصيب مواطن لهم بشكوى تداعى له الكل بالكرم والعطاء والتطوع، شعب حر قادر على الاختلاف مع مَن يمثله وقادر على الدفاع عن مَن يختلف عنه، قرر الكثير منهم أن تكون قيمة الكويت الكبرى هي الإعمار والبناء في كل دول العالم.
إنها موطن الباحثين عن الأمن والأمل والتاركين وراءهم القتال والنزاع، موطن التجار في البر والبحر وموطن الفرسان الذين هزموا أعداءهم في الجهات الأربع، فإذا استقروا فيها أصبح فرسانها من البنائين للمساجد في كل جهة وسوق، حتى ان كل مستشرق وكل عربي مرّ عليها لا بد وأن يكتب «عرف أهلها بالتقوى والصلاح».
يرفضون الفُجر في الخصومة ويفضّلون السِلم على الحرب... ويتحدثون دائما بما أنعمَ الله عليهم.
وصحافة ما زالت متماسكة، وحراك سياسي مستمر وتفاعل اجتماعي مع الفن والثقافة والرواية والسياسة، حتى مع المطر.
وفي وقت تقلبت دول بين الاشتراكية والرأسمالية والانغلاق والانفتاح، كانت الكويت - وما زالت - عالم المعرفة ومجلة العربي، الديوانية والسوق، وأمير يحضر أفراح الناس وأحزانهم.
الكويت يا سادة ليست أقدم من حضارة الفراعنة، ولكنها في حاضرها لا يوجد فيها فرعون وأمثاله، وليست امتداد بلاد الرافدين، ولكن دستورها راسخ بثقل مسلات حمورابي... الكويت ليست أقدم من سبأ وسد مأرب ولكنها محاطة بالكثير من أمثال هدهد سليمان عليه السلام والذين يبحثون في الأرض عن توحيد الله بالخير والعمارة والبناء.
الكويت كيان حديث بالمقارنة بعمر الحضارات الكبرى، ولكنه كيان متصل يحكم نفسه بنفسه منذ أكثر من 300 سنة.
لسنا امتداد بلاد الرافدين، ولا نبحث في القطع الأثرية عن قيمتنا، نحن امتداد مجموعة من القيم المتفق عليها مثل التراحم والتكافل والتعايش والتنوع بين مجموعة من عباد الله الذين ضربوا في الأرض حتى استقروا... فمنذ شهر «الدشة» ورفع الأشرعة البحرية وحتى شهر فبراير وعطلة الأعياد الوطنية، لا نعلم مجتمعاً ظلّ محافظاً على عناصر بقائه كما الكويت.
 فهذا عزيزي القارئ مقال في تمجيد الحاضر... والحمد لله رب العالمين.

تعليقات

اكتب تعليقك