يوسف عبدالرحمن يتساءل: من يفتح «ملف» التعليم في الكويت؟

زاوية الكتاب

كتب يوسف عبد الرحمن 590 مشاهدات 0


الأنباء:

أعرف مسبقاً أنه لا يوجد «رد» حول هذا الكم من تساؤلاتي،

وأعرف أيضا أن التعليم هو آخر اهتماماتنا في الكويت للأسف الشديد ومقياس نواب الأمة الذين وضعوا التعليم في برامجهم الانتخابية وتناسوها في ممارستهم النيابية إلا من رحم!

ويبدو لي ـ والله أعلم ـ أن «أجدادنا وآباءنا» والذين سبقونا فكروا «أفضل» منا عندما بدأوا متأثرين بالأمم المتقدمة، ما جعلهم يندفعون بلا تردد للتزود بالعلوم والثقافة، والدليل في كلامي أن «التجار» هم من قاموا بفتح التبرع أو المساعدة لتعليم التلاميذ مبادئ القراءة والكتابة وأعمال المحاسبة ومسك الدفاتر، وكلها أمور لازمة لنجاح مهنة التجارة!

لقد قام المسجد في الكويت في بداية النشأة بالتعليم، باعتباره مركزا مهما لتأدية الصلوات ومعرفة الفقه والعلم والدين والأدب، وتحول في وقته إلى مشعل إشعاع فكري وعقائدي للتفقه بأصول الدين وأركان العقيدة، وخرج أجيالا كثيرة صالحة وأثر في الحياة عامة، إضافة الى الديوانيات التي قامت بتوجيه الرأي العام بين الأهالي، ودعت إلى جعل التعليم موئلا لطلاب العلم والمعرفة، ولهذا سعى كثير من تجار الكويت والمخلصين الغيارى من الكويتيين في إنشاء مؤسسات تعليمية تقوم بمساعدة الكتاتيب في نشر المعرفة والعلم والتخطيط لبدء تعليم منظم له أصوله ومناهجه، ولعل «المكتبة الأهلية ـ والنادي الأدبي» وغيرهما بداية «النواة» لإنشاء المدارس، وهناك في تاريخ الكويت «رجال أفذاذ» اضطلعوا بالدور الكبير، وعلى سبيل المثال لا الحصر: الشيخ يوسف بن عيسى القناعي ـ عبدالعزيز الرشيد البداح ـ الأستاذ عبدالملك الصالح المبيض، الشيخ عبدالله النوري والشيخ سلطان الكليب وغيرهم كثير هيأوا الكويت وشعبها لنهضة تعليمية، فتمت مساندة المدارس بكل قوة في عهد أمير البلاد الراحل الشيخ أحمد الجابر الصباح (1921 ـ 1950م)، طيب الله ثراه وجزاه كل خير عن مواطنيه وشعبه الأبي.

لعب موقع الكويت الجغرافي دوره في تعليم الكويتيين منذ القدم، فالكويت ميناء مهم ربطها بدول الخليج والهند وأقطار العالم المختلفة وكان الوضع الاقتصادي ضعيفا، ما اضطر الكويتيين لممارسة الغوص على اللؤلؤ والتجارة، وهذا ما جعلنا مهرة في صناعة وبناء السفن التي وصلت الى سواحل كثيرة، إضافة الى الصحراء المفتوحة، كل ذلك ربطنا بجيراننا من (سعوديين وعراقيين وإيرانيين وعرب خليجيين). ولعل مزاولة مهنة التجارة هي التي لفتت الأهمية للتعليم لمسك العمليات الحسابية، على اعتبار ان «التعليم ضرورة» آنية ومستقبلية، ومع الاحتكاك والمخالطة اتضح للكويتيين أهمية التعليم المنظم خاصة ان الدين الإسلامي يولي «التعليم» أبعادا لم تعرفها الديانات الأخرى، فطلب العلم فريضة على كل مسلم، وهذا ما جعل للكتاتيب «دور مهم» في تعليم الكويتيين، وكان على رأس كل حلقة رجل دين يعلم سور القرآن ومبادئ الحساب، وكان يسمى كل معلم «مطوعا» او «ملا»، وكثير منهم أعطي لقب الشيخ فلان!

والكتاتيب لم تعمر طويلا لاعتمادها على التبرع الفردي من الأسرة الواحدة؛ لهذا سارع التجار بفتح هذه الكتاتيب وتمويلها لتعلم أبنائهم وأبناء الفقراء، وكان الدوام في هذه الكتاتيب يبدأ من السابعة صباحا حتى قبيل صلاة الظهر، وتعطى راحة ثم تبدأ الدراسة من الرابعة الى السادسة مساء، ويدفع كل تلميذ «نصف روبية» على الأكثر، وكثير من الطلاب كانوا لا يستطيعون دفع أي نقود على الإطلاق.

من أشهر مطاوعتنا ملا مرشد ـ الملا حمادة ـ الملا عابدين ـ الملا راشد الصقعبي ـ الملا مزعل ـ الملا الحنيان ـ الملا زكريا الأنصاري ـ الملا خلف الدحيان ـ الملا سيد هاشم، طبعا وهناك أيضا «مطوعات» وغيرهم كثير.

بناء المدرسة المباركية هي نقطة البداية لنظام التعليم الحكومي، رغم ان البداية كانت من تبرعات التجار فلقد تبرع إبراهيم بن مضف بـ 600 روبية، وأولاد خالد الخضير وشملان بن علي بن سيف وهلال المطيري بـ 5 آلاف روبية، وقاسم عبدالرحمن الإبراهيم بخمسين ألف روبية، ثم جرى اكتتاب بين المواطنين كانت حصيلته 12500 روبية فصار رأسمال المدرسة 77500 روبية، وهذا مبلغ ضخم في وقته وشرع في البناء سنة 1911 تحت إشراف الشيخ يوسف القناعي، وفتحت المدرسة أبوابها سنة 1912 بانتساب 300 تلميذ، والرسوم كانت روبيتين للطالب ميسور الحال، وروبية لمتوسط الحال، والفقير معفى، ورغم وجود الكوادر التدريسية الوطنية فإن الكويت استفادت من زوارها أمثال الاستاذ محمد حراش المنفلوطي الذي زار الكويت عام 1926، ثم جاء حافظ وهبة المصري والشيخ حمدان آل مبارك الاحسائي والشيخ نجم الدين الهندي والشيخ محمود الهيتي والشيخ نوري الموصلي وعبدالقادر البغدادي، ثم جرى بناء المدرسة الأحمدية بدعم مباشر من الشيخ أحمد الجابر ـ رحمه الله ـ والذي كان يدفع في كل سنة هجرية مبلغا وقدره ألفا روبية من أجل تمشية شؤون المدرسة. يقول الشيخ عبدالعزيز الرشيد عن المدرسة الأحمدية: «فالأحمدية إذن من أعظم مميزات عصر الأمير ويقصد الشيخ أحمد الجابر الصباح وحسناته التي تضم الى حسنته في فتح المكتبة الأهلية والتي فتحت أبوابها للناس بعد المدرسة الأحمدية والنادي الأدبي، هذان المشروعان النفيسان اللذان لا يقلان عن المدرسة في التأثير والفائدة لاسيما وقد تبرع الأمير الجليل بكثير مما يرد باسمه من الجرائد والمجلات للنادي الأدبي».

هكذا كان حال التعليم (مشاركة شعبية وحكومية)، وقد تعرض التعليم لكثير من المصاعب بسبب افتقار المال والمدرسين، لكن الجميع تعاون ولم يتخاذل لا السلطة ولا الشعب.

ولعل ما ذكرته هو الذي مهد لـ«نظام تعليمي نظامي» جعل من الكويت واحدة من أكثر الدول تحضرا وسباقا مع التعليم والتحضر، فما بالنا اليوم؟

لِمَ ضاع «ملف» التعليم وقد كنا الأوائل؟!

التجريب دمر التعليم في الكويت، بدأنا بتدريس المعلمات للأولاد ونظام المجموعة، ونظام المقررات، ثم نظام الكفايات (المنهج الوطني الكويتي) وطبق من الأول الابتدائي الى الصف الرابع، وإلى الصف الثامن من المرحلة المتوسطة، ولم يدخل المرحلة الثانوية، وخذ مثلا «اللغة العربية» المنهج لا يخدم المادة لِمَ؟

لأن من وضعه «البنك الدولي»!

اليوم قالوا لنا حليناها لكم «راح» نحول منهج الكفايات الى «مواءمة» بين الكفايات؟

زين قبلنا في دراسات «تقويمية تقييميه».. طبعا لا ولا.

التعليم في الكويت يحتاج الى «لجنة كويتية ما فيها غريب» من أصحاب الخبرات الذين تقاعدوا، وعلى وجه السرعة يتم فتح هذا «الملف»، ويعالج هذا الكم من الأخطاء، لقد دمروا تعليمنا وإن أردتم بالفعل ان يكون التعليم «جسر» التنمية نحو المستقبل فاجعلوه أولوية وابعدوه عن التسييس.

لن أتكلم عن التخاذل الحكومي في «تسييس» التعليم وجعله «لقمة» سائغة وجسرا في يد «الوزراء» ومجلس الأمة ودون «تحرك فعال» من جمعية المعلمين.

معقولة الكويت التي بدأت في العشرينيات تجفل وتتراجع في الألفية الجديدة؟

من المسؤول عن هذا «الملف» الضائع المهمل؟

اليوم إخواننا في قطر هم الأعلى عالميا في أجور المعلمين!

أتدرون أين «مرتبة» الكويت.. في المرتبة «الثامنة»؟

آه.. أنا كمعلم يعرف تاريخ بلده أقولها (حسرة): أيعقل ان تكون الكويت في المرتبة الأولى في الثلاثينيات يوم استقطبت كل أوائل البعثات التعليمية؟ واليوم في ذيل القائمة؟!

٭ ومضة: النهضة التعليمية في الكويت بدأت في العشرينيات غير ان وصول «المعلمين الفلسطينيين» في سنة 1936 برئاسة الأستاذ أحمد شهاب الدين مدير البعثة كان له أطيب الأثر في صياغة قانون المعارف، والذي اشترك في صياغته الأستاذ خالد العدساني وصدر عام 1937، وقد حدد صلاحيات رئيس المعارف وناظرها وكوادرها وهو البداية الحقيقية للتعليم المنظم في البلاد، وكانت المدرسة المباركية والمدرسة الأحمدية يشار لهما بالبنان حينذاك، فما الذي أخرنا في الألفية الثالثة؟!

٭ آخر الكلام: ما ينقصنا هو الكويتي (الرجل ـ المرأة) الذين يجب ان يعطوا الدور في تطوير تعليمنا ومناهجنا بعيدا (عن أي قوى أخرى)!

في عهد الأمير الراحل الشيخ أحمد الجابر تم إيفاد أول بعثة للدراسة في بغداد عام 1924 كانت مكونة من خيرة أبناء الكويت، ثم في عام 1939 بعثة أخرى الى بغداد وتخرجوا في دار المعلمين، ثم أنشئ معهد المعلمين وأسسه الاستاذ يوسف عبدالمعطي والأستاذ حمود الرومي، وقد غطى المرحلة الابتدائية بخريجيه غير اننا رغم فتحنا كلية لتخريج المعلمين في جامعة الكويت لم نستمر في تخريج «المعلم الكويتي»، وبعد التحرير أحضروا من يحمل «مقبول» في شهادته الجامعية ليدرس أبناء الكويت!

آه.. لقد أرسلنا لمصر عام 1939 أول بعثة دراسية من خيرة أبناء الكويت وعادوا في وظائف قيادية، ودعوني أترحم عليهم وعلى غيرهم، وهم: أحمد العدواني ـ يوسف المشاري ـ يوسف العمر ـ عبدالعزيز حسين.

تطور عدد المدارس والمدرسين والطلبة، لكن أقولها لكم بكل صراحة المعلم هو الذي درس وجرب التعليم في بلده.. لقد أدخلوا تعليمنا في تجارب دون دراسات تقويمية وتقييمية للأسف.. ودون حسيب ولا رقيب إضافة الى أسباب كثيرة!

٭ زبدة الحچي: ما أحوج تعليمنا الى قرارات حازمة وسريعة.

ـ وزير غير مسيس.

ـ وكيل يتبعه وكلاء شبه ثابتين مع عملية الإحلال المستمر.

ـ عدم تطبيق تجارب يابانية وأميركية و«واق واقية» دون دراسات وبحوث ونتائج وتقييم!

ـ إرجاع رموزنا التعليمية في المناهج لأنهم قدواتنا (وكلهم كويتيون) وشاركوا في تأسيس النهضة التعليمية، والاستفادة من هذا الكم من الحكماء «نظار ـ وكلاء ـ موجهون ـ مشرفون فنيون ـ معلمون» ممن تقاعدوا ولا يمنع ان يدرسوا بالحصة وبالحصتين، والله ثم والله وتالله انهم أفضل من هؤلاء الذين نشروا «الدروس الخصوصية» وبيع المذكرات! رجعوا الى «القيم» التي ظهرت أيام الاحتلال العراقي الغاشم مثل العصيان المدني ـ المقاومة ـ تجربة التعاونيات ـ الشهداء ـ المتطوعين في الخارج ـ المظاهرات والمسيرات ـ أخلاقيات البيت الكويتي ـ قيم كثيرة أدخلوها في مناهجنا دون تردد إن أردتم تعليما يحافظ لنا على البقاء والكينونة الكويتية.

أرسلنا البعثات واستقدمنا الخبراء في عشرينيات وثلاثينيات القرن وظهر تعليمنا وصار «مضربا للمثل»، واليوم يتراجع الى الهاوية وسط تخبط ليس له مثيل!

أقول لكم شيئا: أعطوني مواطنا معلما اسمه «حمزة الخياط».. أضمن لكم تعليما يصلح لطبيعة العصر والخصوصية الكويتية!

تعليقات

اكتب تعليقك