د. فيصل الشريفي يكتب: «اليوم خمر وغداً أمر»
زاوية الكتابكتب د. فيصل الشريفي نوفمبر 22, 2018, 11:22 م 1029 مشاهدات 0
الجريدة:
لا يهم إن كانت الأيام الماضية خمراً، لكن المهم أن تفيق مؤسسات الدولة، وأن تنفض غبار الأيام عنها، وتبدأ بالأمر، فعقارب الساعة إن كانت لا ترجع للوراء فإنها حتماً تظل تدور إلى الأمام، ومع دورانها يمكن معرفة أين ومتى وكيف وعند من توقفت مراسي الفاسدين.
بعدما كشفت موجة الأمطار الأولى فشل الأجهزة الفنية المعنية في إدارة الأزمة وزيف ادعائها بالجهوزية وما سبقه من مداخلة مرتجلة لسمو رئيس الوزراء بالملتقى الحكومي الأول «تعزيز النزاهة»، وإصراره على مواجهة الفساد وتحذيره للقيادات غير القادرة على مواكبة الأحداث، وما شاهدنا من وجود ومتابعة ميدانية من سموه ومن النائب الأول، فإن الأنظار تتجه لهما من خلال ترجمة الأقوال إلى أفعال.
لقد جاء قرار مجلس الوزراء الأخير باستبعاد جميع الشركات والمكاتب الهندسية التي قامت بتصميم وتنفيذ مشاريع الإسكان والبنية التحتية والطرق التي أصابتها حالة من الشلل بسبب الأمطار، وعدم السماح لها بالمشاركة في أي مشاريع جديدة قبل إبراء ذمتها من قبل لجنة تقصي الحقائق المشكلة يتطلب معها المزيد من المكاشفة والحزم كي يحظى هذا القرار بالمصداقية، ويمكن من خلاله كسب ثقة المواطنين المفقودة بالنهج الحكومي السابق من خلال إطلاعهم على الإجراءات التنفيذية اللاحقة في معاقبة هؤلاء الفاسدين سواء كانوا شركات أو مكاتب هندسية أو موظفين، وسواء كانوا كباراً أو صغار أو سمحوا أو سهلوا ما تم تنفيذه أو تصميمه على الأرض.
سمو الرئيس: إن فتح ملفات وزارة الأشغال والإسكان والبلدية يجب ألا يكون بعيداً عن بقية ملفات أكثر فساداً من مشاريع كلفت خزينة الدولة مليارات الدنانير، ولا بعيدا عن سرقة التأمينات وتعويضات الداو وتضخم الحسابات والتعيينات البراشوتية التي شكوت منها أنت شخصيا، وشبهات الحيازات الزراعية والقسائم الصناعية والشهادات المضروبة والمزورة، وأزمة صيانة تكييف المدارس، وتأخر استلام جامعة الشدادية، ومستشفى جابر، والقائمة طويلة.
المشكلة أن الشعب ملّ من إبر التخدير ويتطلع إلى تغيير ونهج جديدين في إدارة شؤون الدولة في المحاسبة والمساءلة الجادة، وإلى تعزيز مفهوم تطبيق القانون بالتأكيد على مبدأ أن ليس هناك أحد أكبر من القانون يمكنه فعل ما يريد.
أعود إلى عنوان المقال الذي ارتبط بالشاعر الجاهلي امرئ القيس الذي عاش حياة اللهو بعدما طرده أبوه حِجرا وأقسم ألا يقيم معه، فراح يسير في أحياء العرب يعيش بين ملذات الصيد وشرب الخمر حتى أتاه خبر مقتل أبيه، وهو بدَمّون من أرض اليمن، فإذا به يتفجر غضباً عند سماعه خبر مقتل أبيه قائلاً: «ضيّعني صغيراً وحمّلني دمه كبيراً، لأصحو اليوم ولا سكر غداً، اليوم خمر وغداً أمر»، لائماً أباه وفي الوقت نفسه لم يتنصل من مسؤوليته في طلب الثأر.
لا يهم إن كانت الأيام الماضية خمراً، لكن المهم أن تفيق مؤسسات الدولة، وأن تنفض غبار الأيام عنها، وتبدأ بالأمر، فعقارب الساعة إن كانت لا ترجع للوراء فإنها حتماً تظل تدور إلى الأمام، ومع دورانها يمكن معرفة أين ومتى وكيف وعند من توقفت مراسي الفاسدين، وحينها ستسهل مهمة المحاسبة إن كانت النوايا صادقة.
في الختام لا بد من الإشارة إلى الجهود الجبارة التي بُذلت خلال فترة الأمطار الأولى والثانية، فقد أثبت الشباب الكويتيون قدرتهم على التحدي والعمل بإخلاص، لذلك مازلنا متفائلين بأن باب الإصلاح ليس محالا بل في متناول اليد.
تعليقات