في أمراضنا النفسية... والوصمة الاجتماعية! - يكتب د. سلمان الخضاري

زاوية الكتاب

كتب سليمان إبراهيم الخضاري 935 مشاهدات 0


الراي:

يبدو أنني موعود مع المقالات الطبية التخصصية هذه الأيام، فقد فرض يوم الصحة العالمي نفسه على شخصي البسيط بحكم تخصصي في الطب النفسي لأدلي بدلوي، خصوصاً في ظل ما رأيته من تفاعل استثنائي هذا العام مع موضوع الصحة النفسية وأهميتها على الكثير من مواقع التواصل الاجتماعي وما قدمه الكثيرون من المهتمين أو المختصين من مواد إعلامية في هذا الخصوص!
وقد أكون قد تحدّثت في مقالات ولقاءات سابقة عن العديد من المواضيع المتعلقة بالطب النفسي والأمراض النفسية بشكل عام، وبينت أن واحدا من كل خمسة أشخاص في العالم يعاني من أعراض نفسية تحتاج التشخيص والعلاج وفقا للعديد من الدراسات، كما أن الاكتئاب على سبيل المثال، يقدر له وفقا لاحصائيات منظمة الصحة العالمية أن يكون السبب الأول للإعاقة، نعم الإعاقة -بالمعنى الأشمل لا بالمعنى الذي تطبقه هيئة الإعاقة عندنا بالضرورة، خلال سنوات قليلة!
المشكلة الأكبر، في نظري ونظر الكثيرين من المختصين في هذا المجال، هي في ما اصطلح على تسميته بالـ«وصمة» الاجتماعية، أو الـ«stigma» كما في اللغة الإنكليزية، وهي تلك النظرة السلبية للمرض النفسي ومن يتم تشخيصه به مما يجعل الكثيرين ممن يحتاج فعلا لخدمات هذا القطاع الطبي المهم يحجم عن اللجوء للمختصين أو تلقي العلاج الملائم لحالته بسبب الخوف من تلقيبه بالـ«مريض النفسي» مع ما تستتبعه هذه المفردة من معان استقرت في أذهان الكثيرين، وغني عن القول إنها معان سلبية للأسف!
في البحث عن سبل معالجة هذه الوصمة الاجتماعية أجريت العديد من الدراسات المهمة، نظر بعضها لتأثير توجيه رسائل مباشرة للجمهور عن فحوى الأمراض النفسية وأن أكثرها هي أمراض عادية جدا قد تصيب الكثيرين منا ولا تفقدهم عقولهم أو تصيبهم بـ«الجنون» كما هو متخيل، أو تحرمهم أهليتهم لإدارة أموالهم أو رعاية أبنائهم، وفي الحقيقة، ورغم الجهد الكبير والرائع والمشكور الذي يبذله الكثيرون في مثل هذه الأنشطة الإعلامية التوعوية، إلا أنه لم يثبت أن لها أثرا كبيرا على تخفيف تلك الوصمة التي يوصف بها من يعاني من الأمراض النفسية ولا يزالون!
وفي منحى آخر، اتجه باحثون آخرون لدراسة الوصمة الاجتماعية وكيفية تخفيفها بطرق أخرى، و«من دون طوالة»، فقد تبين أن أكثر ما قد ينفع مرضى الطب النفسي حالياً هو شيئان، أولهما وجود التشريعات المحافظة على حقوقهم وتنظم عملية ممارسة المهنة وتكريس «اندماج»، أو «integration»، المرضى النفسيون في مجتمعاتهم من خلال تعزيز فرصهم الوظيفية وتطويرها وخلق بيئة العمل والثقافة الاجتماعية بشكل عام والتي قد تساعد على ذلك، أما ثاني تلك الأمور التي وُجد أن لها دورا كبيرا في تخفيف الوصمة الاجتماعية فهو التعليم الجيد للمتخصصين في الطب النفسي وطب العائلة بشكل أساسي مما يسهل من عملية التشخيص للمرض النفسي وعلاجه من قبل الجالسين في خط الدفاع الأول في المنظومة الصحية.
أخيرا... هل تلك الحملات الإعلامية التوعوية شيء سيئ؟
قطعاً لا... وأشكر بشدة كل مَن قام عليها، ولكن، نصيحتي هو أن نبذل جهداً أكبر في ما تم إثباته من أدوات فعّالة لمقاومة الوصمة الاجتماعية من أجل إحداث تغيير حقيقي وأكبر نستفيد منه جميعاً!
والله من وراء القصد.

تعليقات

اكتب تعليقك