الليبرالزم وأزمة وعي نخبوية - يكتب صالح غزال العنزي
زاوية الكتابكتب صالح غزال العنزي أكتوبر 11, 2018, 12:33 ص 2007 مشاهدات 0
النهار:
خلصنا الى القول في المقال السابق الا ان الوعاء السببي لامكانية انتشار الليبرالية في دول المنطقة غالبا ما كان لسببين رئيسيين احدهما داخلي يحمل بعض العناوين السلبية مثل النظم الدكتاتورية الحاكمة في معظم الدول والاعراف الاجتماعية القاسية المسيطرة والدور الصارم لرجل الدين في بعض الفترات الزمنية جعل من الدعوة الليبرالية مغرية لأصحابها كبديل جماهيري، في حين ان السبب الاخر خارجي وهو ما بشرت به الليبرالية من حريات وتكافؤ فرص وعدالة وقيود اجتماعية ودينية اقل.
لكن الليبراليين العرب اصطدموا بمعضلتين احداهما ذاتية وهي عدم قدرتهم على التأقلم الذاتي مع النظرية الليبرالية للفارق النوعي في التنشئة مقارنة بالبيئة الليبرالية المفترضة وما ينتج عن هذا الفارق من صعوبة في القدرة على التأقلم، والمعضلة الأخرى اجتماعية وهي تسويقهم لبضاعة غير مطلوبة مجتمعياً في حقيقة الأمر باعتبار ان المجتمعات العربية ما زالت تعيش الحالة التجريبية التي لم تقتنع من خلالها تمام الاقتناع بعدم جدوى الأفكار المحلية السائدة وباعتبار ان هذه المجتمعات لم تصل بعد الى مرحلة المخاض الذي يمكن معه فقط البدء بتسويق الفكر الليبرالي كفكر بديل واعد وباعتبار ان الدعاة العرب لم يستطيعوا ان يقدموا نموذجاً ليبرالياً يمكنه اقناع الجمهور العربي بمحلياه البحتة وأصالته المناسبة.
وبالتالي فان الليبراليين الأوائل وصلوا بعد الفشل المبكر ولسنوات الى حالة من اليأس فانزووا متذرعين بجهل المجتمع وصعوبة نجاح التجربة ما لم يسبقها حالة تفريغ ثقافي ثم حالة تعبئة فكرية جديدة وهي عملية كبيرة جداً ومضنية جداً ومرفوضة من طرف السلطة باعتبار انها عملية تغيير سياسي في المقام الأول، في حين ان الليبراليين الجدد يعانون من حاجزين كونكريتيين لم يستطيعوا تجاوزهما، احدهما حالة الشك التي يواجهونها مجتمعياً باعتبار ان خصوم الليبرالية عادة ما يسددون سهامهم الى التشكيك بالنهج الليبرالي الذي يستهدف زوايا اجتماعية ودينية متأصلة في الفرد وتبعية مطلقة للغرب المعادي، والثاني حاجز الطاووسية الفكرية التي يعيشها هؤلاء الليبراليين والتي تمنعهم من الوقوف على ارضية واحدة مع الجماهير والتخاطب معهم بلغة ثقافية مشتركة قابلة للفهم.
ومن هنا اصبحتُ على يقين بأن فرص انتشار الفكر الليبرالي في المجتمعات العربية من خلال الليبراليين العرب في حكم المحال، ولم يتبق الا فرصة انتشاره عبر التبشير الخارجي وهي عملية محفوفة بالمخاطر لعدة اسباب:
أولا: يجب ان نفرق بين التوجهات الليبرالية من خلال استقطاع اقوال او افعال بعض دعاتها وبين المشروع الليبرالي كمشروع سياسي واجتماعي،
فمن سوء التقدير استمثال بعض الأقوال المأثورة ونسبتها الى المشروع السياسي الليبرالي من قبيل «قد اختلف معك في الرأي ولكني على استعداد ان اموت دفاعاً عن رأيك»، وهو قول ينسب الى احد ملهمي الثورة الفرنسية ويتردد على السنة بعض الليبراليين الحالمين، لكنه قول يجعل الفرق شاسعاً جداً بين اتباع هذه المدرسة الفلسفية الليبرالية وبين الساسة الليبراليين الذين يقودون حكومات دولهم او الذين يعملون كمستشارين وموجهين لها كالفرق الشاسع بين شيوعية جيفارا وشيوعية ستالين.
ثانيا: المشروع السياسي الليبرالي هو في حقيقة الأمر مشروع استعماري يستهدف الشعوب كمقدمة لاستهداف الأرض ولذلك لم يقدم هذا المشروع اي جانب خدمي او لم ينشر بأي شكل من الأشكال الخدمة التي يمكن ان توفر الحاجات الشعبية بصورة شبيهة او قريبة الشبه من الاستيلاء على الارض والثروة.
ثالثاً: الكذبة الديموقراطية التي استطاع المشروع السياسي الليبرالي الغربي ان يخفي دكتاتورية بغيضة خلفها، فالفارق الوحيد بين المشروع الليبرالي والمشاريع السياسية الراديكالية ان الأخيرة تقدم فكرها (ان وجد) بطريقة الفرض غير القابل للاختيار في حين ان المشروع الليبرالي يحاول اقناع الجماهير بأفضليته كمرحلة وان لم تتحقق الافضلية بالاقتناع فيتبعها المرحلة الثانية وهي مرحلة الفرض وهو ما جرى في كل الدول التي اجريت بها انتخابات حرة ونجح فيها توجه مخالف لليبرالية تم الانقلاب عليه بابطال العملية الانتخابية برمتها واعلان تبريرات غير مقنعة لتسويق الانقلاب على نتائج الديموقراطية التي تبشر بها، ولا يتوقف الأمر عند ذلك بل يتجاوزه الى النشاط الاستخباري والاعلامي المتواصل لتشويه الأفكار المخالفة بطريقة شبيهة بما تمارسه الديكتاتوريات الشمولية.
رابعاً: يعاني المشروع السياسي الليبرالي من تقدم المصالح على الأفكار من ناحية الاولوية وتراتبية التابع والمتبوع، فقد كان الواضح غالباً محاولة تكييف الأفكار لتتناسب مع المصالح ولا تتخالف مع اتجاهها لا تكييف المصالح بشكل يتوافق مع الافكار، حيث بقي الفكر دوماً مجرد حارس مهمته التبرير المنطقي لنشاط المصالح.
تعليقات