انسحابات البريطانيين العجولة والجيرة مع جيش المهدي
عربي و دوليمايو 1, 2009, منتصف الليل 1577 مشاهدات 0
بحجة سوء المعاملة التي يلقاها الفرس ولفداحة الضرائب التي تفرض عليهم وهم في طريقهم إلى النجف وكربلاء بعث القائد الفارسي الفذ كريم خان زند طالبا من الباب العالي رأس عمر باشا والي بغداد ومهدد بغزو العراق إذا ما رفض طلبه. ولم ينتظر كريم خان طويلا حيث احتل البصرة في الفترة 1776 – 1779م . حينها لم يجد شيخ قبيلة المنتفق العربية الامير ثامر السعدون حرجا في الاستنجاد بإمام عمان احمد بن سعيد قائلا: (ياخوي نحن سقماء وأنتم حكماء , داوونا والمعافي هو الله ) فوصل الى شط العرب أسطول عماني ضخم من 80 سفينة تقوده سفينة الإمام المسماة بـ (الرحماني) ،وقد حقق الأسطول العماني الحماية الكاملة لمنطقة شط العرب عام 1775 ،لكنه أنسحب عائداً إلى بلاده خوفاً من أن تكون فارس تعد العدة للهجوم على عمان .و نتج عنه نتائج إيجابية بالنسبة للكويت من حيث هجرة بعض رؤوس الأموال وازدياد عدد السكان. من جهة أخرى صار معروفا أن كل ألم تحسه العراق يظهر على جبين البصرة ،ولا بد والحالة كهذه أن تنتقل العدوى إلى الكويت .
لقد عاشت الكويت في عزلة مريحة منذ 1991م في كنف منطقة حظر طيران جنوبي خط عرض 32 ثم خط عرض 33.ثم مع وجود القوات البريطانية في البصرة، حتى يوم أمس الخميس30 ابريل2009م الذي شهد مراسيم انسحاب القوات البريطانية من البصرة بحضور وزير الدفاع البريطاني جون هاتون. وتشبه رد الفعل في المنطقة على الانسحاب البريطاني رد الفعل الذي حدث في نهاية ستينيات القرن الماضي عندما طبقت بريطانيا سياسة الانسحاب من شرق السويس ، وكان من نتائجها أن ابتلع الشاه جزر منتصف الخليج ليلة رحيل قوات صاحبة الجلالة من الخليج العربي .
في الستينيات انسحبت بريطانيا من الخليج دون تفاهم ناجز مع حلفاءها من شركاء الحرب الباردة ،وكانت حجتها هي رفض العمل كشركة حراسة عند الأخوات السبع من شركات النفط الأميركية .وبعد ست سنوات في البصرة أدت إلى مقتل نحو 178 جنديا بريطانيا وإصابة 3700 آخر،شعرت بريطانيا بنفس مشاعرها في الستينيات حيث أنها لا تستطيع خوض الحرب على جبهتين في وقت واحد، وان أفغانستان حرب ينبغي التعامل معها بجدية وهي تفضل ان تكون كلفة الحرب المصروفة من خزانتها في أفغانستان وليس في البصرة .
إن الفراغ الأمني والعسكري الذي سببه خروج البريطانيون من البصرة يغري بالتدخل والغزو والاحتلال، سواء من محيط المنطقة ودول الجوار،أو بتنفيذ خطة تقسيم العراق التي كان أول من قدمها هو السيناتور الأميركي جوزيف بايدن Joe Biden ، لكن بايدن النكرة آنذاك قد أصبح حاليا نائب رئيس الولايات المتحدة الأميركية فهل تراجع عنها بعد تسنمه لمنصبه؟
لقد سلمت القوات البريطانية المسؤوليات الأمنية في البصرة إلى القوات العراقية، على أن يبقى نحو 400 جندي بريطاني فقط لأغراض تدريب القوات العراقية. وقوات الأمن العراقية التي تمزقها الطائفية في البصرة خصوصا غير قادرة على ملء أي فراغ امني سيخلفه الانسحاب ، فرغم وجود17 فرقة عسكرية في الجيش العراقي إلا أنها عاجزة عن سد الخروقات الأمنية في الأماكن الحيوية التي أهمها المنشآت النفطية،كما ان من مؤشرات عدم فاعلية هذه القوات تسليم القوات البريطانية القاعدة العسكرية التي كانت ترابط فيها إلى القوات الأمريكية وليس إلى الجيش العراقي، من أجل حماية طريق الإمدادات البالغ الأهمية الذي يربط العراق بالكويت،
ومع خروج البريطانيين وانشغال الاميركان بخطوطهم اللوجستية وعدم كفاءة العراقيين ،نتساءل من هي القوة الفاعلة هناك ؟
الفراغ الأمني المرتقب كان حاضرا على الدوام في أجندة الرئيس الإيراني محمود احمدي نجاد، بل وعلى طرف لسانه، حيث صرح أن بلاده على استعداد لملء الفراغ الأمني في العراق في حالة انسحاب القوات الأجنبية .وإيران بذلك الطموح تحقق أهداف عدة منها إنها لاتريد أن تفرط بسهولة فيما أنفقته خلال ست سنوات على بناء قواعد تعاطف معها في البصرة،كما أن التوسع في البصرة بأي شكل كان،وبما يخلقه من بيئة غير مستقرة هو ترحيل سهل لخلافاتها مع المجتمع الدولي وإشغاله بقضية هي طرف فيها حتى يتراجع موضوع خلافاتها النووية مع الغرب إلى أولويات متأخرة.
وفي أكتوبر الماضي، سيطرت عناصر جيش المهدي على مركز الأمن الرئيسي بالبصرة في محاولة للإفراج عن أحد زملائهم الذي كان معتقلا هناك. كما وردفي دراسات عدة أن نصف السكان المسيحيين في البصرة قد غادروا المدينة، وفي ظل هذا الوضع الأمني المتردي و الاقتصادي الصعب،ستبحث القوى المختبئة تحت الأرض حاليا عن أب ينفق عليها ، كما ستبحث عن مستودع ذخيرة لإعادة تعبئة سبطانات أسلحتها التي لم تلقها قط .
وبفصاحة بينة صرح أستاذ الأدب العربي ومحافظ البصرة الجديد الدكتور شلتاغ عبود شراد عسكر المياح، عضو قائمة ائتلاف دولة القانون،أنه سيسعى لأن تكون البصرة(العاصمة الاقتصادية للعراق)، ولا يقلقنا في الكويت من ذلك شي إلا إذا إصر الإخوة في البصرة على إسماعنا بعض المواويل الحزينة من حقبة الستينيات والسبعينيات والتي تنوح في طلب منفذ بحري تحقيقا لشعار العاصمة الاقتصادية . إن الانسحاب البريطاني من البصرة هو سيناريو مصغر لتبعات لانسحاب الأميركي الكبير المرتقب ،وبانكشافنا الاستراتيجي الذي إضلاعه قلة عدد السكان وصغر المساحة وتتبع الحلفاء لمصالحهم بالدرجة الأولى ، لايبقى أمامنا إلا أن نسعى لعلاقات مع إخواننا العراقيين أساسها الشراكة الإستراتيجية في تنوعاتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، كما قال بذلك الفصيح الأخر مستشار الأمن القومي موفق الربيعي ، الذي يبدوا أن طروحاته لم تعد ترق لمجلس الوزراء العراقي حيث أكد المجلس قبل يومين إلغاء مستشاريه الأمن القومي برئاسة الربيعي الذي صمد طويلا رغم ان الكثيرين كانوا يرونه صناعة من آلة برايمر سيئة الصيت .
لقد حكمت المصلحة الوطنية رحيل البريطانيين كما حكمت رحيل العمانيين عن البصرة عام 1775م ،كما جمع الرحيلين عدم انجاز المهمة، ولا شك أن قرار الانسحاب لبريطاني من البصرة كانت له أصداؤه المتوجسة في نفوس الكثيرين،حيث يعتبرونه تخليا عن الالتزامات البريطانية التاريخية تجاه الدول الصديقة لها،ونحن في الكويت من تلك الدول .
في حرب 1973م كانت القوات السورية الخاصة تقوم بعملياتها خلف خطوط العدو الصهيوني في جبل الشيخ المتجمد،ولم تكن تستطع البدء بعملياتها أو الانسحاب بعد تنفيذها إلا تحت قصف مدفعي ثقيل يجبر الإسرائيليين على التخندق، لقد كانت تلك القبضة التي تدك خنادق الصهاينة هي قذائف المدفعية الكويتية AMX13 عيار 155مم ذاتي الحركة الذي سمي من قبل الجنود (ابو ردين ) لان له صوت شجي ينشر الفرح في قلوب الجنود على الجبهة ، مثلما كانت تفعل الأغنية السورية المشهورة للمطرب الشعبي ذياب مشهور .وفي عام 2003م كانت قوافل إغاثة مركز العمليات الإنسانية الكويتي هي التي توزع الماء والغذاء على سكان البصرة المحاصرين بالرصاص والجوع والعطش . اليد الكويتية التي كانت تمتد للإخوة السوريين على جبهة القتال في جبل الشيخ هي نفس اليد الكويتية التي امتدت للإخوة المحاصرين من قوات صدام قبل سقوطه في البصرة ، وقائد قوة الجهراء في سوريا 1973م هو رئيس مركز العمليات الإنسانية الكويتي وهو نفسه سعادة الفريق الركن السفير علي محمد المؤمن الذي رغم تهديدات القتل الموجهة له، لا زال يعمل لبناء علاقات كويتيةعراقية أساسها الشراكة الإستراتيجية في تنوعاتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
تعليقات