متى يصل القراصنة الصوماليون إلى الخليج العربي؟

عربي و دولي

3872 مشاهدات 0


في عام 1760م ولد في الكويت رحمة بن جابر وكان أبن لشيخ الجلاهمة أحد الأضلاع الرئيسية في مثلث العتوب الذي ضم آل صباح وآل خليفة أيضا . وفي شمس حارقة تلفت الشاب رحمة حوله فوجد أن آل صباح وآل خليفة قد أصبحوا حكاما بينما هو لا يزال أجيرا على ظهر مركب بائس لا عمل له إلا فلق المحار للغير بين  لهيب الشمس ورطوبة البحر ورائحة المحار، فألقى السكين الصغيرة متمردا على حياة العوز وقال كلمته المشهور 'لاعادها الله عيشة من ورا المفلقة '. يقول موظفو وكالة الهند الشرقية البريطانية ' أبحر هذا الرجل في كل الأنحاء وأمسك بكل ما أمكنه كغنائم له. سفن القرين والبصرة والبحرين ومسقط وحتى من بوشهر ، كلهم كانوا فرائس له متساوين عنده . أتباعه كانوا قريبين من حوالي ألفي رجل استمروا في النهب والسلب لصالحه.

رفض الظلم والعوز الذي دفع رحمة بن جابر قبل 250عاما هو نفس السبب الذي جعل القراصنة الصوماليون يعترضون السفن في البحر الأحمر،وإن كان هناك من يرى ان مايجري هو نتيجة لنجاح عمليات تجفيف منابع دعم الإرهاب بالأموال و الذي جعل أتباع القاعدة في الصومال تتقطع بهم السبل،مما دفعهم للقرصنة التي يرونها غزوة أخرى ضد سفن الكفار التي تنتهك مياههم . كما يرى مراقبون آخرون أن مايجري هو عمليات مدفوعة الثمن، جيدة التنفيذ لخلق ذريعة تعود من خلالها القوى الاجنبية الكبرى الى  منطقة القرن الإفريقي مجددا .
 لقد أصبح القراصنة الصوماليون في البحر الأحمر قوات بحرية حقيقية مجهزة جيدا ، وفي ظل جنيهم لملايين الدولارات لم يوقفهم القتل كما يبدوا عن احتجاز سفن في خليج عدن والمحيط الهندي . الإدارة الأميركية قالت  'قد يكون علينا ان نتصدى لجريمة من القرن السابع عشر، لكن ينبغي أن نستخدم إمكانيات القرن الحادي والعشرين' وفي ذلك مؤشر الى نجاح القراصنة بشكل يدعوا إلى الاعتراف بخطرهم، والعجز عن احتواءه بالطرق المتبعة حتى الآن.
 مما يفتح الباب أمام احتمالات التدخل بشكل آخر قد يكون من ضمنه مهاجمة قواعد القراصنة في الصومال ، وكما هو معروف لدى العسكريين  فإن نهاية الهجوم الناجح هو الاحتلال ، وذلك ما لا تريده الصومال بما بقى فيها من هياكل تمثل السلطة ، حيث قال الرئيس الصومالي شيخ شريف أحمد 'تدريب وتسليح القوات الصومالية هو ما سيؤدي بالضرورة الى وضع حد لظاهرة القرصنة وليس مهاجمتهم في الصومال . '

وهنا نتساءل إن كان الخليج العربي وهو اقرب البحار إلى القراصنة الصوماليين  في معزل عن هذا النشاط االبحري الذي عاد الى الظهور مجددا كنتيجة للازمة الاقتصادية العالمية ؟
 مرورا بقوة آل مذكور في بوشهر إلى ناصر الزعابي في بندر ريق إلى القراصنة من بني كعب الذين هاجموا القطيف عام 1775م لم تمر عشر سنوات متتالية في تاريخ الخليج العربي دون ذكر لحوادث القرصنة . ففي عام 1809 سارت حملة بحرية بريطانية عمانية لمواجهة السعوديين والقواسم فاقتحمت رأس الخيمة وأحرقتها ، ثم وصلت قوة سعودية بقيادة مطلق المطيري وقضت على الجيش العماني الذي تخلى عنه البريطانيون وتركوه يواجه مصيره، واستمرت المواجهات بين البريطانيين والمجموعات العربية وسميت دولة الإمارات العربية المتحدة حاليا بساحل القراصنة . وفي نفس الفترة كان لازال رحمة بن جابر يفتك بسفن العتوب من الكويت والبحرين متمركزا في قلعته بالدمام . وفي عام 1861 شنت بريطانيا حملة بحرية ناجحة على الدمام ضد عدو البحرين القرصان الشيخ محمد بن عبدالله بن أحمد آل خليفة  وأخواله من بني هاجر، والمدعوم من قبل الإمام السعودي فيصل بن تركي. وفي ثمانينيات القرن الماضي استطاعت زوارق زودياك الإيرانية الصغيرة اجبار الكويت على تسجيل سفنها في الولايات المتحدة الأميركية ، ولم تتوقف القرصنة في الخليج ولو بشكل اقل حجما وإن كانت لا تصل الى سجلات شركة لويدز للتأمين حتى لايرتفع سعر الشحن الى المنطقة .
ومنذ مطلع عام2009م صار بإمكان ميناء جبل علي استقبال أكثر من 5 ملايين حاوية نمطية في الرصيف الواحد شهريا .وفي الوقت نفسه لا زال ميناء رأس تنورة السعودي على الخليج العربي  يعد أكبر ميناء لشحن النفط في العالم ،وتخرج منه اضخم ناقلات النفط . فماذا يريد القراصنة من سفينة شحن اوكرانية او سفينة يونانية او ليبيرية متهالكة ، طالما كانت هناك غنائم اكبر وبنفس المجهود المبذول في خليج عدن ؟
كدول عربية ومسلمة تناست التزاماتها الأخلاقية، تركنا الصومال دون وجل يواجه مصيره بعد سقوط زياد بري قبل 18 عاما، فلماذا لا يحملنا الصوماليون وزر جوعهم وشقائهم؟
أضف إلى ذلك أن الغنائم التي حصل عليها القراصنة حتى الآن كانت مغرية بدرجة تدعوا إلى أن يوسع القراصنة الصوماليون نشاطهم ليشمل الخليج العربي بسفنه المترفة . أما السبب الأخر فهو أنه رغم وجود سفن قوات دولية نشرت في  البحر الأحمر والمحيط الهندي فقد نجح القراصنة وفشلت الدول الكبرى لدرجة قدرة القراصنة على خطف كابتن سفينة الشحن الاميركية ريتشارد فيليبس وهو بالقرب من السفينة الحربية الاميركية باينبريدج . ولو افترضنا أن القراصنة الصوماليون تم القضاء عليهم أو أنهم اكتفوا بأعمال القرصنة في المياه القريبة منهم  فهل هناك قراصنة محتملون في الخليج العربي ؟

لن يأتي من سيقوم بالقرصنة في الخليج العربي من أماكن بعيدة ،فمن جراء الأزمة الاقتصادية الخانقة لكثير من دول المنطقة نتوقع ان ياتي القراصنة من منطقة لاتبعد عن مضيق هرمز بأميال بحرية قليلة .  فلو نجحت حكومة كولومبو في القضاء على ثوار التاميل بعد حصارهم الذي تم هذا الأسبوع فلن يكون أمام نمور التاميل إلا لفت نظر العالم بالانتحار الجماعي أو قتل الرهائن المدنيين او تطبيق السيناريو الفلسطيني في السبعينيات، لكن هذه المرة بخطف السفن وليس خطف الطائرات، وليس هناك ما هو اكثر اغراء من مضيق هرمز .أما المنطقة غير المستقرة الأخرى، فهي منطقة بلوشستان ومع تفاقم الأزمة الاقتصادية وضربات سلاح الجو الاميركي والايراني والباكستاني لايبقى أمامهم إلا السيناريو الصومالي .كما لانستبعد ان يكون لمنظمة القاعدة يد فيما يجري في خليج عدن، وإذا كان هذا صحيحا فإن الخليج العربي بالتواجد الغربي الكثيف فيه هو احد مسارح العمليات في خرائط بن لادن .كما يمكننا الاستناد الى نظرية المؤامرة مرة أخرى لنقول ان القرصنة التي قد يشهدها الخليج العربي قد تتم بدفع من أطراف إقليمية او دولية يكون من مصلحتها  خلق ظروف مواتية للتدخل في المنطقة .
في رومانسية ساحرة يقول ابن بشر في 'عنوان المجد في تاريخ نجد'أن رحمه بن جابر بن عذبي الجلاهمة كان سلفيا صالحا وإماما وخطيبا وشاعرا مجيدا ،وقد كف بصره وهو كهل ، لكن ذلك لم يمنع  ماجد بن عريعر شيخ الاحساء في عام 1726م من الاتفاق مع آل خليفة في القضاء على رحمة . وحتى لايتم حصاره خرج رحمة بسفينته المشهورة المسماة 'الغطروشة ' إلى عرض البحر وبعد قتال شديد نفذت ذخيرته ، وكان يضع ابنه الصغير في حجره ويسأله عن السفن التي تشتبك معهم . فيقول سفينة من هذه فيرد الصبي سفينة فلان فيقول 'ليس هذا ندا لنا ، ويأمره بالاستدارة بحثا عن سفينة أخرى ويعاود السؤال فيقول الصبي 'سفينة الشيخ أحمد بن سلمان آل خليفة'  فيقول رحمة هذا ند لنا 'لم يعرف جسمه ناعمات الأبدان ' وتلتحم السفينتان  في قتال شديد قتل فيه خلق كثير 'حتى صبت ميازيب السفينتين بالدم '  وعندما احس القرصان العجوز رحمه بن جابر بالهزيمة أخذ رأس 'ارجيلته ' المتتلئ بالفحم المشتعل والقى به في مخزن 'الغطروشة ' الممتلئ بالبارود ، ليدمر الأسطول البحريني ويموت هو والصبي في حجره .
فهل يستطيع ابناء رحمه والسندباد من حماية خليجهم ؟

 

د. ظافر محمد العجمي-المدير التنفيذي لمجموعة مراقبة الخليج

تعليقات

اكتب تعليقك