حامد الحمود يكتب.. الهجرة إلى الشمال وتأثيرها في الديموقراطية
زاوية الكتابكتب د.حامد الحمود سبتمبر 24, 2018, 10:56 م 3588 مشاهدات 0
القبس
الهجرة إلى الشمال وتأثيرها في الديموقراطية
د. حامد الحمود
لقد كان لاندفاع مئات الألوف من المهجرين من سوريا والعراق وأفغانستان والصومال بسبب الحروب الأهلية نحو حدود وسواحل أوروبا خلال السنين السبع الماضية الأثر الكبير في القناعات والتوجهات السياسية للشعوب الأوروبية. ففي دول مثل بولندا وهنغاريا تعززت قبضة أحزاب يمينية على السلطة بقيادة الرئيسين دودا وأربان. وفي دول مثل فرنسا وألمانيا وهولندا وإيطاليا والسويد تعززت نسبة ممثلي الأحزاب اليمينية، مما أدى إلى اضطرار حكومات ليبرالية إلى تشكيل حكومات ائتلافية تضم عناصر من أحزاب يمينية. لمناقشة هذه التغيرات في أوروبا، إضافة إلى وصول شخصية مثل دونالد ترامب إلى الرئاسة في أميركا، نظمت صحيفة نيويورك تايمز «منتدى أثينا للديموقراطية»، الذي عقد خلال الفترة من 16 – 19 من الشهر الجاري، والذي افتتحه رئيس الجمهورية اليونانية، وشاركت فيه شخصيات أكاديمية وإعلامية من دول عديدة.
واختار المنتدى أن يكون الافتتاح بنقاش افتراضي بين الفيلسوفين: سقراط وكنفوشيوس حول علاقة الاخلاق بالسياسة. وقد مثّل الشخصية الافتراضية لسقراط أستاذ من جامعة إنكليزية. أما كونفوشيوس، فقد مثله أستاذ من جامعة هونغ كونغ، وكان هناك اجماع بينهما على ان العمل السياسي مفسد. كما كان هناك اجماع بين الشخصيتين على أن الديموقراطية التي تعطي الفرصة للشعب بأن يختار طريقة حكمه ومن يحكمه مرتبطة بحكم القانون، والذي يعني أن يكون القانون السائد واضحا للجميع، وأن يتمكن جميع أفراد الشعب من اللجوء إليه. فالانتخابات الحرة هي محور الديموقراطية، ولكن من دون حكم القانون فإن ثمارها لن تقطف.
الحقيقة الأخرى المتعلّقة بالديموقراطية هي أن الديموقراطية إطار وقانون قابلان للتغيير. وعندما يتخلف الوعي ستأتي الديموقراطية بنتائج غير حميدة أو كارثية. ولعل من أشهر ضحايا النظم الديموقراطية كان الفيلسوف سقراط الذي حكم عليه بشرب السم من قبل نظام ديموقراطي. كما أن الديموقراطية قابلة للتطوير، فأولى الديموقراطيات وهي ديموقراطية أثينا لم تكن تسمح لا للمرأة ولا للعبيد بالمشاركة في الانتخابات.
وقد شهد «المنتدى» سجالا بين آراء ترى أن للأنظمة السياسية أن تختار الديموقراطيات المناسبة لها، وأخرى ترى أن الديموقراطية الغربية هي الخيار الإنساني الذي تطمح إليه جميع الشعوب. وقد مثل التيار المحافظ في الشمال الدكتور كيشور محبوباني من جامعة سنغافورا، ودعمته إلى حد ما الدكتورة كارولينا فيغورا من جامعة وارسو في بولندا. فقد رأى الدكتور كيشور أنه مع ادراكه أن الديموقراطية التي يشرف على تطبيقها الحزب الشيوعي الصيني لها مثالبها، إلا أنها ملائمة للصين في الوقت الحالي. ورأى أن من محاسن سياسات الحزب الشيوعي الصيني أنه لا يصدر ديموقراطيته الصينية إلى الخارج. لكن «المنتدى» استضاف كذلك فنانا تشكيليا صينيا مشهورا اسمه «هو وي وي»، والذي سجن في الصين نتيجة آرائه الجدلية.
وفي «المنتدى» شاركت بورشة نقاشية حول الهجرات من العالم المضطرب إلى أوروبا وأميركا وكندا، وتركز موضوع النقاش حول إيجاد الحلول التي تخفف من التوتر بين المهاجرين والمواطنين الأصليين. وكان هناك إجماع على أنه لينحسر التوتر لا بد من التحكم بالحدود. إضافة إلى تشريع قوانين هجرة تميز بين اللاجئ بسبب الحروب، وبين اللاجئ لأسباب اقتصادية، مما يعني معالجة أسباب الخوف لدى السكان الأصليين. وقد كان هناك إجماع على أن المعادين للمهاجرين ينتمون عادة إلى فئات شعبية تتميز بشعور ديني ووطني. والشعور الديني الكاثوليكي المحافظ كان العامل الأهم لوجود موقف معاد للهجرة في دولة مثل بولندا.
هذا، وإن اخترت عنوانا آخر لمنتدى أثينا للديموقراطية، فإنه يمكن أن يكون ذلك «الهجرة إلى الشمال وتأثيرها على الديموقراطية». وبذلك، فإن الدكتاتوريات في منطقتنا والحروب الأهلية التي سببتها ساهمت بشكل رئيسي في تقويض الديموقراطية الأوروبية. فما كان لأحزاب اليمين في أوروبا أن تحقق هذه النجاحات لولا هذه الهجرات غير المنظمة من سوريا إلى أوروبا. فتخلف الوعي وأنظمة تسلطية مثل نظام الأسد لا تحارب الديموقراطية فقط، وإنما بإرسالها مئات الألوف من المهاجرين إلى أوروبا أدت إلى زرع الخوف لدى المواطن الأوروبي الذي أخذ يميل إلى اليمين السياسي خوفا على ثقافته ومستوى حياته.
لكن من ناحية أخرى، أفكر كذلك بالمهاجرين العرب إلى أوروبا، وأتساءل: هل من الممكن أن يعملوا على المدى الطويل على نشر قيم التسامح والوعي السياسي في منطقتنا؟ فهؤلاء المهاجرون السوريون، وبعد إقامة سنين في ألمانيا وغيرها، هل سيتشربون بقيم ديموقراطية وينشرونها بطريقة ما في سوريا وغيرها؟
تعليقات