بدر خالد البحر يكتب.. بالمملكة أنسابٌ وأحبابٌ وأصحاب
زاوية الكتابكتب بدر خالد البحر سبتمبر 22, 2018, 10:29 م 1093 مشاهدات 0
القبس
زاوية حادة- بالمملكة أنسابٌ وأحبابٌ وأصحاب
بدر خالد البحر
لا تسمع إلا دبيبا، وصوتا خافتا وهمسا ونشيق أطفال ووقع أقدام على أديم أرض قاحلة يابسة، هذه تتعثر وأخرى تتدلى من كتفها، تتوقف لفترة تلتقط أنفاسها وتنظر خلفها وإلى السماء، ثم تعاود المسير في ليلة مقمرة من ليالي منتصف يونيو الحار، تسير وتسير معها دواب الارض وعواء الذئاب، حتى هدأت الزواحف وسكنت جحورها وظلت عناكبها وحشراتها تقتات بعضها على بعض بعد أن عادت الطيور الى أوكارها.
تركت ثراءها ومصاغها في سواد ليل حالك دامس الطرقات، نازحة خوفا على طفلتيها من حرب حاسمة لا تعرف نتائجها بعد أن شارك فيها كل الرجال، مسير طويل حتى وصلت خلف المدينة، حيث شد لها خدمها رحالها، فسايرها أحدهم أياما عصيبة موحشة حتى وصلت الى الكويت.
هذه قصة حكتها له والدته عن رحلة الطفلتين وجدتها، رحمهم الله، من القصيم، في يونيو 1904، حتى استقرت هنا ثم جاء اخوتها الذين فروا للزبير بعد معركة البكيرية التي هزم بن سعود فيها بن رشيد، ثم تلتها معركة الشنانة في سبتمبر من العام نفسه، التي انهزمت بها إمارة بن رشيد والقوات التركية الموالية، ليمتد نفوذ الدولة السعودية الثالثة على نجد. وفي عام 1926 نزع بن سعود الحجاز من الهاشميين، ليصبح ملكا على الحجاز ونجد، حتى جاء هذا اليوم الثالث والعشرون من سبتمبر من عام 1932 ليعلن توحيد وإنشاء المملكة العربية السعودية، بعد تاريخ حروب ونزاعات طويلة تصدر فيها عبد العزيز بن سعود وقاد رجاله بجرأة وشجاعة غير مسبوقة.
واستمر حديثه، وراح يقص رحلته مع والدته الى مسقط رأس أمه في المملكة منذ عشر سنوات تقريبا، كان حديثه هادئاً كطبيعته، فدنوت من أريكته كي أسمع صوته الخافت، فهمسه ذكرني بقصة جدة والدته، وشفتاها تلامسان اذني طفلتيها ترجو منهما البكاء همسا في ليلة نزوحها منذ مئة وأربعة عشر عاما وهي تحمل احداهما وتجر الاخرى. يقول عندما وصل مع أمه ليلا إلى بيت ابن خالها، وهو دكتور في جامعة الرياض، يقول سمعنا صوتا يدنو من الظلماء من بعيد «هلا هلا هلا» قبل أن نراه، ولما اقترب ظل يرددها حتى صار بجوارها، ولأنه لا يستطيع ملامستها، صار يلوح في ذراعيه ترحيبا ومدحا وإطراء وتواضعا ويسميها «بنت عمتي»، يقول لم أرَ والدتي بهذه السعادة وتلك الابتسامة التي رسمت على وجهها من قبل، وعيناها تلمعان فرحا في أرض منبتها، وإحساسا راح يحملها شعورا بالفخر والأمان. يقول لي: لقد اقشعر بدني من ذلك المنظر ووالدتي تسير إلى داخل بيت كبير في مزرعة شاسعة، وأصوات ترحيب النساء والرجال تتعالى من داخل الاروقة هنا وهناك، يقول: توقفت والدتي قليلا ثم دنت مني وهمست في اذني مبتسمة «هذوله أهلي» وهذوله تعني هؤلاء.
وهنا نتوقف لنقول كل عام وأهلنا بالشقيقة الكبرى السعودية بخير وأمان على الدوام في ذكرى اليوم الوطني للمملكة، عمق تاريخي انغرزت فيه بذور جذورنا، وقلب احتوانا في مصيبتنا على مدى سبعة أشهر، وملاذ للمحبة والنفوس والارواح الطيبة، بلاد الحرمين الشريفين ستبقى بحفظ الله وفيها أهلنا وفيها أنسابٌ وأحبابٌ وأصحاب.
* * *
إن أصبت فمن الله وإن أخطأت فمن نفسي والشيطان.
تعليقات