متى يكون المثقّف مشوّقاً؟.. يتسائل هشام العوضي
زاوية الكتابكتب د. هشام العوضي سبتمبر 20, 2018, 10:47 م 913 مشاهدات 0
القبس
متى يكون المثقّف مشوّقاً؟
د. هشام العوضي
تساءل المفكر الراحل هشام شرابي مرة قائلا: «لماذا إذا طالعت كتاباً لأحد المفكرين، أو المثقفين العرب وجدته في أكثر الأحيان مملاً، ممتلئاً بالتصنع والتكلف، حتى لو تناول موضوعاً ممتعاً ومثيراً؟». والجواب هو أن المثقف العربي مملّ غالباً في كتاباته، لأنه يفتقد ثقافة التسويق في عصر تحول فيه كل شيء إلى منتج أو بضاعة استهلاكية، بحاجة إلى حِس دعائي أو تسويقي كي تنتشر وتروج. فالمثقف العربي ممل لأن هناك فجوة كبيرة بين أفكاره، التي قد تكون رائعة، وبين مهارته في تسويقها في زمن اختلفت فيه طبيعة وسائل التواصل.
ولم يعد المستهلك اليوم، أو شريحة واسعة منه، هو الجمهور القارئ، ولكن الجمهور المتفرج، والفرق بين الاثنين واضح. وبدلا من ان ينتقد المثقف الزمن والشباب ووسائل التواصل..إلخ، عليه ان يتكيّف مع الوسائط الجديدة، ويطوّر مهارات التعامل معها، كي يصل إلى أكبر شريحة ممكنة. فالوسيط بين الجمهور والمثقف تغيّر، وبدلا من أن ينشغل المثقف بأثر الفضائيات على مستقبل الكتاب، ويخاصم ويلعن ثقافة الديجتال، فإنه يواجه تحدي التكيف مع الوسيط الجديد، وتطوير مهارات التعامل معه.
لقد تغيرت وسائط المعرفة، وستتغير أكثر في المستقبل. بدأت بالطباعة التي ابتكرها غوتنبيرغ، وهي الآن رقمية وبصرية عبر الإنترنت وشاشة النقّال. والطريف أنه كلما ابتُكرت وسيلة تواصل جديدة، عارضتها الشريحة التي اعتادت على الوسيلة القديمة بالانتقاد، والتشكيك في إمكانية استمراريتها، إلى أن تضطر هي في النهاية إلى قبول الوسيط الجديد كأمر واقع، والتكيّف معه أو التلاشي والانقراض. الأمر الواقع والتواؤم مع متطلبات الوسيط الجديد أو التلاشي.
ولا نطلب من المثقف ان يتنازل عن فكره وإبداعه، فالدعوة ليست إلى التسطيح، وإنما إلى المواءمة التي تتطلب الاهتمام بالصياغة المشوّقة. وهناك أمثلة كثيرة جداً لمؤلفات في الأدب والاجتماع والتاريخ والدين والسياسة، كتبها مثقفون وأساتذة جامعات، ولكن بأساليب روائية شيّقة، جعلت مؤلفاتهم تنتشر بين غير المختصين حتى. وما TED Talks سوى محاولة مبتكرة لتجسير الفجوة بين جيل المثقفين والشرائح الصاعدة من الشباب، الذين يعشقون المعرفة، ولكن بمعطياتها المعاصرة وهي: التبسيط، والتشويق، والاختصار.
تعليقات