عبد اللطيف بن نخي يكتب.. الشيخ الوائلي وتعهّد الحسينيات

زاوية الكتاب

كتب د. عبد اللطيف بن نخي 1505 مشاهدات 0

د. عبد اللطيف بن نخي

الراي

رؤية ورأي - الشيخ الوائلي وتعهّد الحسينيات

د. عبد اللطيف بن نخي


وفقني الله لحضور مجالس حسينية عدة، خطب فيها الشيخ أحمد الوائلي رحمه الله، وهو خطيب بدأ تحصيله الديني في الحوزة العلمية في النجف الأشرف، ثم أتبعها بالدراسات الاسلامية في كليات أكاديمية، انتهت بحصوله على درجة الدكتوراه في العلوم الإسلامية في جامعة القاهرة. 

اشتهر الشيخ باتباعه منهجية علمية، في تحليله واستعراضه لأحداث واقعة كربلاء. فكان يرى أن الفاجعة لم تكن وليدة يومها، وجذورها تصل إلى يوم البعثة النبوية الشريفة. لذلك استعرض مرارا سير الصحابة في خطبه، ضمن تحليلاته للثورة الحسينية. 

للأسف شبكة الإنترنت لا تحتضن إلا القليل من مقاطع الفيديو الخاصة بخطب الشيخ. وبالرغم من ذلك، اطلعت على عدد من خطبه المتاحة على الشبكة، التي تتضمن سرداً لجوانب من حياة بعض الصحابة، حين كان السرد التاريخي مسموحاً في الكويت. ولكن اليوم، ذات الطرح مجرّم وفق المادة 19من القانون رقم 3 لسنة 2006 في شأن المطبوعات والنشر.

أي أنه، لو كان الشيخ الوائلي حيا يرزق، وأراد أن يشارك في مجالس هذا العام، لمنع من دخول الكويت، بسبب عدد من تلك المقاطع. لا شك أن هذه المعلومة صادمة للعديد من روّاد الحسينيات، خصوصا الجيل الذي لم يحضر المجالس التي خطب فيها الشيخ. المراد أن التطبيق الفعلي للمادة القانونية جرّم بعض خطب الشيخ الوائلي المشهور بطرحه العلمي.

ضمن محاولتي لمعالجة أزمة منع كتاب نهج البلاغة، في مقال الأسبوع الماضي، ناشدت البرلمان بإعادة صياغة تلك المادة القانونية، بعد أن استعرضت المخالفات الدستورية في صياغتها، وما ترتب عليها من تقييد لحرية البحث العلمي والحريات الدينية، فضلا عن كونها تميّز بين الطوائف، في حق تحصين رموزها الدينية. وكذلك أشرت إلى أن عددا من خطباء الحسينيات أبعدوا أو منعوا من دخول الكويت، بحجة مخالفتهم تلك المادة. 

وفي مقال هذا الأسبوع، بعد ضجة مانشيت صحيفة «الراي» بشأن تعهد الحسينيات عدم المساس بالصحابة، أجد نفسي مضطرا إلى تجديد مناشدتي البرلمان - وبالأخص النواب الذين شرعوا المادة 19- بتعديل صياغتها، لتكون أكثر توافقا مع نص وروح الدستور، ولكي نعالج جذريا الأزمات الطائفية التي تتجدد مع كل موسم عاشوراء. للأسف الكثير من السياسيين والخطباء والمثقفين، وغيرهم من المعنيين بأمور الحسينيات، عوضا عن معالجة الجذور المحفزة لتكرار تلك الأزمات، من خلال اجتثاث الشوائب الدستورية في صياغة المادة القانونية؛ تبنوا حلولا ترقيعية على حساب التراث الحسيني. ولذلك نجد اليوم، أن معظم الجيل الجديد، لم يتلق في الحسينيات، المعارف الأساسية حول سيرة وحياة أهل البيت، أو أنه تلقّاها مبتورة. وفي ذات الوقت، هذا الجيل غير قادر على استدراك ذلك النقص المعرفي - في التراث الحسيني - بمبادرة ذاتية، لأنه بصورة عامة لا يقرأ.

لا أستبعد أن صياغة المادة 19 تأثرت بحالة الاحتقان الطائفي التي كانت سائدة في مرحلة ما بعد سقوط النظام العراقي، الذي كان من نتائجه إعادة رسم الخارطة السياسية للمنطقة، وتحرير العراقيين من القيود البعثية على الشعائر الحسينية. والنتيجة الأخيرة كانت لها تبعات أشد على حالة الاحتقان في الكويت. المهم، أن تلك المرحلة قد انتهت، لذلك فإن مبررات استمرار المادة القانونية بذات الصياغة قد انتفت. 

كما أشرت في مقال الأسبوع الماضي، إلى ان قطار العودة إلى ثقافتنا التعددية الأصيلة قد تحرك متجها إلى رؤية كويت جديدة 2035. وهذا يتطلب من المعنيين بالثقافة المجتمعية، مؤسسات حكومية وهيئات المجتمع المدني، كل من موقعها ووفق امكانياتها، مضاعفة جهودهم لترسيخ التعددية في الكويت. 

فمن جانب، يفترض أننا نمارس ونعلّم من حولنا، احترام حق «الآخر» في تحصين رموزه الدينية، وبصورة لا تتعارض مع حق «أي منا» في حرية ممارسته شعائره الدينية. ومن جانب آخر، علينا أن نستوعب الفرق الشاسع بين العرض التاريخي والنقد الموضوعي والتحليل العلمي، وبين السب والطعن والسخرية. لذلك، أناشد الجميع المشاركة في مشاريع نشر التعددية، ثقافة وممارسة، في مجتمعنا. «اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا اتباعه».


تعليقات

اكتب تعليقك