رأي في أزمة المبتعثين السعوديين.. يكتبه عبد اللطيف بن نخي
زاوية الكتابكتب د. عبد اللطيف بن نخي أغسطس 15, 2018, 10:56 م 1114 مشاهدات 0
الراي
رؤية- رأي في أزمة المبتعثين السعوديين
د. عبد اللطيف بن نخي
كنت أعتقد أن الخاسر الأكبر من قرار استدعاء المبتعثين السعوديين من كندا، هم الطلبة والمتدربون السعوديون، وأهلوهم. خصوصا أن نسبة السعوديين، من بين اجمالي الطلبة المبتعثين للدراسة والتدريب في كندا، صغيرة جداً. ولكن تبين لي قبل أيام أن هناك منظور للأزمة لم ألتفت إليه إلا بعد التحاور مع أبي هادي، أحد الأطباء الكويتيين، الذي زودني لاحقاً بنسخة ضوئية عن خطاب، بشأن أثر قرار المملكة العربية السعودية استدعاء طلبتها ومتدربيها في التخصصات الطبية، مرسَل إلى السيد رئيس الوزراء الكندي، من قبل ثلاثة مسؤولين هم الدكتور رئيس الكلية الملكية للأطباء والجراحين في كندا، والدكتور الرئيس التنفيذي للكلية، والدكتور الرئيس والرئيس التنفيذي لجمعية الرعاية الصحية الكندية (HealthCareCAN).
ونظراً لأهمية هذا المنظور، قررت أن أخصص مقالة هذا الأسبوع لاستعراضه، وتقديم اقتراح مستخلص منه، آمل أن يلقى القبول لدى المعنيين. ولكن قبل ذلك، كان عليّ أن أتحقق من مصداقية الخطاب، فلجأت إلى موقع الكلية الملكية للأطباء والجراحين في كندا، على شبكة الإنترنت بحثا عن الخطاب. وبالرغم من أنني لم أجده، إلا أنني اطلعت في الباب الإعلامي بالموقع، على تصريح من الكلية، معنون «أثر قرار إلغاء برامج التبادل التعليمي»، ذُكرت فيه ذات الآثار السلبية للقرار، على النظام الصحي الكندي، الواردة في الخطاب. ولذلك اطمأننت لمصداقية الخطاب في «مضمونه». وهنا لا بد أن أسجل إعجابي برقي الثقافة الإدارية الكندية، التي شجعت المختصّين، على كتابة ونشر تصريح يكشف التبعات السلبية لسياسة حكومتهم الخارجية، من دون التخوف من اتهامهم بخيانة الوطن، وإحالتهم إلى نيابة أمن الدولة.
جاء في تصريح الكلية أن أكثر من ألف طبيب سعودي مقيم، يقدمون حالياً الرعاية اليومية للمرضى في جميع أنحاء كندا. كما إن السعوديين يشكلون ثلث المتدربين في التخصصات الطبية في المستشفيات التعليمية في بعض المقاطعات الكندية. ولذلك تشعر الكلية الملكية بالقلق من أن فقدان مساهمات الأطباء المتدربين السعوديين سيؤثر بشكل كبير على رعاية المرضى، وعلى النظام الطبي الكندي. علاوة على ذلك، حذرت الكلية من تأثيرات سلبية مضاعفة للقرار على مؤسساتها الطبية العلاجية والتعليمية، وذلك بسبب قصِر مهلة انسحاب المبتعثين السعوديين.
ومن باب توضيح حجم الأزمة الطبية الكندية، أود الإشارة إلى عدد من الأمثلة التي تضمنها الخطاب الذي وجه إلى رئيس الوزراء الكندي. ففي المثال الأول، تمت الإشارة إلى احد مستشفيات أونتاريو، الذي يعمل فيه 20 طبيباً متخصصاً في جراحة المخ والأعصاب، 13 منهم مبتعثون سعوديون. وفي مثال آخر، تمت الإشارة إلى أن في احد المستشفيات، 2 من أصل 3 أطباء متدربين في تخصص المناعة هم أطباء سعوديون. كما تمت الإشارة في الخطاب، إلى أن المتدربين السعوديين المستمرين يشاركون في تدريب الأطباء الكنديين المستجدين، وبالتالي انسحابهم سوف يؤثر على جودة تدريب الكنديين.
إلى جانب صدمتها من سرعة وشدة الرد السعودي، لا شك أن الحكومة الكندية مصدومة أيضاً من حيادية الحكومات الغربية، في أزمتها مع الحكومة السعودية، ما أضعف كثيراً موقفها في الأزمة. لذلك أرجِّح أن بعض جمعيات النفع العام الكندية، وبالتنسيق مع جمعيات حقوقية عالمية، سوف تضاعف جهودها قريباً لتحريك الرأي العام في الدول الغربية للضغط على حكوماتها، من أجل التخلي عن الحيادية في الأزمة، إذا طال أمدها، والتحول نحو دعم الموقف الكندي.
لذلك أدعو المستشارين السعوديين، المعنيين بدعم متخذي القرارات السعودية المرتبطة بإدارة الأزمة، إلى تبني مقترح استثناء برامج الزمالة لتدريب الأطباء من قائمة العقوبات المفروضة على كندا، على غرار قرارها استمرار الامدادات النفطية إلى كندا. على أن يكون الاستثناء الأكاديمي الطبي من باب حرص السعودية على استمرارية الرعاية الصحية اللائقة للمواطنين والمقيمين في كندا. وذلك من أجل تعزيز الموقف السعودي أمام الرأي العام الكندي بشكل خاص، والغربي بشكل عام.
ومن باب المصداقية والشفافية في الطرح، لا بد أن أشير إلى أن دوافعي الشخصية وراء تقديم هذا المقترح إنسانية أكاديمية في المقام الأول، وليست مبنية على البعد السياسي للأزمة. فأنا أرى أن الصحة والتعلّم حقين من حقوق الانسان، اللذين يجب علينا جميعاً صونهما في السلم، وفي المواجهات السياسية، بل حتى في الحروب... «اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا اتباعه».
تعليقات