محمد المقاطع يكتب.. التوازن الخارجي.. والجبهة الداخلية

زاوية الكتاب

كتب د. محمد المقاطع 978 مشاهدات 0

د. محمد المقاطع

القبس

الديوانية- التوازن الخارجي.. والجبهة الداخلية

د. محمد المقاطع


في ظل عالم متغير وسياسات دولية متقلبة وأحداث عالمية وإقليمية متلاحقة، سواء كانت تلقائية أو مرسومة، وفي كنف تحولات مفاجئة في سياسة العلاقات الدولية، تضحي حكمة التوازن خارجياً وصون متانة الوحدة داخلياً ركيزتين جوهريتين لأمن واستقرار الدولة ومنعتها، وتأمين انسيابية رشيقة تتخطى من خلالها معابر مهلكة ومضائق وعرة، كي تبحر سفينة الوطن مروراً بها باتجاه شواطئ آمنة ومرافئ مستقرة.

إن تلك الحكمة وذلك التوازن وهذه الرشاقة ليست مسلكاً للهواة والتدريب، بل يملكها من يحوز بعد نظر باحتراف وخبرة وتجارب، قوامها معرفة لعبر التاريخ واستيعاب لظروف الواقع.

في خضم مجمل تلك الظروف الموضوعية، يمكن رسم مسارات خريطة انسيابية لتخطي الكويت المضائق والمعابر الدولية الوعرة بسلاسة وبأقل الخسائر خارجياً، وبقوة وتماسك يستعصي على الاختراق داخلياً، ليشكل طوق النجاة بعد فضل الله وحفظه لها، فهل تسير سفينة الكويت بالمعابر الآمنة؟ وبالتوازن المنشود؟ أم أن الحبل ترك على الغارب! كما هو الحال من بعض تجاربنا السابقة ومنها تداعيات غزو العراق لنا في ٢ – ٨ – ١٩٩٠ ونحن في حالة غفلة وتراخ غير مقبول، والحكيم من يتعظ بتاريخه وتجاربه، وهو ما سبق أن فطن إليه الشيخ عبدالله السالم إبان أزمة عبدالكريم قاسم عام ١٩٦١، فاعتمد على سياسة خارجية حاسمة حينما استدعى القوات البريطانية، واتكأ على جبهة وطنية موحدة داخلياً، حينما وسع الحريات وأشرك شعبه في القرار وإدارة شؤون البلاد.

وها هو التاريخ يعيد نفسه ونجد أنفسنا في الكويت في بحر متلاطم خارجياً تسوده أمواج عاتية لتقلبات دولية وإقليمية، وتصحبه موجة تحريضات مجاورة طائفية أو تكتيكية أو عشوائية، في الوقت الذي نجد فيه الأميركيين يراهنون على وجودنا بيعاً وشراء وتغلف بسياسات اقتصادية أو دبلوماسية، وحقيقتها نظرة تقسيمية جديدة عبّرت عنها قبل سنوات سفيرة أميركا في الكويت ديبورا التي قالت مع حلول عام ٢٠٢٠ ستختفي بعض دول الخليج، ومن بينها الكويت! ولَم تسعفهم الظروف لتحقيق هذا المخطط الذي قد يكون تأجل قليلاً أو بدّل بعض الشيء، ولكن بعض مظاهره وإرهاصاته حاضرة في التقلبات الدولية والسياسات الإقليمية، وهو ما يعني أن الكويت ليس أمامها خيار سوى التحوّط لأسوأ الاحتمالات بركيزتي التوازن الخارجي والداخلي.

ومن سياقه، تبرز أهمية التوازن ذاك بمد جسور التعاون العسكري مع بريطانيا لتأمين الحماية المباشرة من خلال تواجد قواتها على أرض الكويت باتفاقية حماية أمنية صلبة، وهو ما أدركته قيادتنا السياسية بالتوجه لتوقيع هذا النوع من الاتفاق والذي سيتواجد بموجبه ما يزيد على عشرين ألفاً من القوات البريطانية بحسب المتداول، ونحن وبريطانيا في احتياج متبادل بعضنا الى بعض، فبريطانيا مع نهاية مارس ٢٠١٩ وخروجها من الاتحاد الأوروبي وتعرض اقتصادها لهزة مالية بحاجة إلى تكريس استثماراتنا وزيادتها فيها ولتدفق موارد إضافية من مجموعة اتفاقيات ومشروعات مشتركة، وهو ما ينبغي السير نحوه من دون تردد، كما تأتي ترتيبات المصالح المالية والاقتصادية مع الصين من خلال مشروع الجزر ومدينة الحرير منظومة دفاعية إضافية لتأمين استقرار الكويت والعبور بها الى شواطئ الأمان والاستقرار، وهذه التوازنات في سياستنا الخارجية، أياً ما كان سيوجه إليها من انتقادات، تمثل حكمة لخياراتنا السياسية المصيرية، ولا يجوز التردد فيها ولا التأخر بتنفيذها، فعبر التاريخ بالأمس القريب تستلزم السرعة وخفة الحركة قبل أي مفاجآت.

أما على صعيد اللحمة الوطنية الداخلية، فهي صمام الأمان الأقوى والأكثر تأميناً لاسقرارنا وعبورنا الى هذه المرحلة، وهو ما نستقي مصداقيته أيضاً من عبر تاريخنا القريب، فقد كان تماسك وقوة الجبهة الداخلية أثناء مرحلة احتلال الكويت وتحريرها والالتفاف الشعبي الفريد حول الأسرة الحاكمة والقيادة السياسية في شقين هما توافق الصامدين بالداخل وعدم تفريطهم بوطنهم وقيادتهم، وفي مؤتمر جدة الذي جمع الكويتيين ممن هم بالخارج، وهما تعبير مذهل عن صلابة الجبهة الداخلية وتماسكها، وثمرة للتمسك بالثوابت الوطنية قوامها الدستور ونظام ديموقراطي يؤمن للناس حرياتهم ويحترم إرادتهم ويؤمن بمشاركتهم في إدارة البلد وفقاً للمنظومة الدستورية الراسخة، ما انعكس بجبهة داخلية متماسكة تستعصي على عاديات الدهر، وهو ما نحتاج لأن نعيد إليه الحياة اليوم داخلياً، من خلال مصالحة وطنية عريضة تتجاوز مرحلة الإقصاء وضعف العمل الوطني وقصره على مجاميع غاياتها قريبة وخاصة، وهو ما يتطلب إطلاق الحريات ورفع قيود التضييق عليها من خلال إصلاح النظام الانتخابي الذي يبدد حالة الاستقطاب والتشرذم المجتمعي بمسارات فئوية أو عصبية، وليحل محلها نظام يعزز الخطاب الوطني ويصهر المجتمع ومكوناته المختلفة في مسار واحد يضمن تماسك المجتمع، ويعضد جبهته الداخلية، التي هي طوق النجاة لوطن آمن ومستقر في هذه المرحلة الخطيرة بمنعطافاتها الدولية.


تعليقات

اكتب تعليقك