عبد اللطيف بن نخي يدعو دعوة لمصالحة وطنية «شاملة»
زاوية الكتابكتب د. عبد اللطيف بن نخي أغسطس 8, 2018, 10:55 م 951 مشاهدات 0
الراي
رؤية ورأي- الكويت تجمعنا
د. عبد اللطيف بن نخي
من بين الأسباب الرئيسة لاستمرار الانقسام والشقاق في مجتمعنا، هو ارتباط كل منا كأفراد وأطياف مجتمعية بمجموعة إعلامية معينة، ومقاطعة الأخريات. والكلام هنا ليس فقط حول القنوات الاعلامية الرسمية المحلية والاقليمية والعالمية، بل أيضا يشمل الكتل الاعلامية النشطة في وسائل التواصل الاجتماعي.
فهذه المجاميع الإعلامية تبرمج اليوم منهجية تفكيرنا، وتحدد لنا مواقفنا من القضايا، بعد أن نجحت في اسقاط مصداقية المجاميع الإعلامية المقابلة لها. لذلك، أرى أن أقصر الطرق وأسرعها لتعزيز نسيجنا الاجتماعي ولحمتنا الوطنية، هو فتح قنوات للتحاور في ما بيننا كشركاء في الوطن، للاطلاع على وجهات النظر المقابلة والمغايرة لما لدى كل منا، ولتشخيص المساحات المشتركة بيننا، والعمل على تدعيمها وتحويلها إلى مشاريع وطنية، من قبيل المصالحة الوطنية.
لذلك، قررت أن أتناول في هذا المقال مسألة المصالحة الوطنية، المبنية على العفو الشامل، من خلال تقييم إحدى نسخها المقبولة لدى شريحة واسعة في المجتمع، التي عرضها الدكتور سند الفضالة بطريقة جميلة، في مقال بعنوان «الكويت تجمعنا: العفو الشامل هل هو مستحق؟»، نشره في ذكرى الغزو الأخيرة، على الانترنت في موقع «twitlonger». ومن بين أجمل ما جاء في مقاله، الجملة السحرية «وجود وجهات نظر متضادة في العمل السياسي ليس مقبولاً فقط، بل مطلوب ومستحب وطبيعي».
المقال تضمن ثلاثة نماذج من الاحتجاجات والمطالبات الشعبية السياسية، ومن بينها الدموية، التي انتهت جميعها بالمصالحة الوطنية، والعفو عن المدانين، بل وتقلد بعضهم مناصب حساسة في البلد. واستشهد الفضالة بتلك النماذج لدعم المطالبة بالعفو الشامل عن المدانين في قضية اقتحام المجلس، حيث أشار إلى احتجاجات «سنة المجلس» في 1938، التي انتهت بمقتل اثنين من رموز المعارضة، وسجن وملاحقة آخرين. ثم بعد سنوات طويلة، ترأس أحد رموز المعارضة المرحوم عبداللطيف ثنيان الغانم المجلس التأسيسي عام 1962.
وأما النموذج الثاني، كانت احتجاجات المجموعة الشبابية القومية، التي انتهت بتوزير أحد أقطابها المرحوم الدكتور أحمد الربعي لحقيبة «التربية» والتعليم العالي. والنموذج الثالث، أحداث «دواوين الاثنين»، التي انتهت بإعادة انتخاب معظم المشاركين في تلك الأحداث في الانتخابات التالية.
بالرغم من اعجابي بمقال الفضالة، إلا أنني كنت أتمنى لو أنه اهتم بجزئيتين: الأولى مرتبطة بسرد المزيد من الأمثلة على تسامح الدولة مع أبنائها بعد انقضاء مراحل من المواجهة السياسية السلمية والدموية، ومنها ما حصل في ختام أزمة التأبين، وقبله العفو عن المدانين في أحداث العنف التي استهدفت وقف الدعم الكويتي للعراق ابان حربه مع إيران. فهذان المثالان، كالنماذج الثلاثة، كانت السلطة على طرف، ويدعمها جزء من الشعب، وعلى الطرف الآخر كان المحتجون ويدعمهم جزء آخر من الشعب.
لست بصدد تأييد أو شجب المحتجين في المثالين الأخيرين، ولكنني أرى أن موضوعية مقال الفضالة كانت ستتعزز لو أنه أشار إلى مثال لا يؤيد فيه موقف المحتجين، عوضا عن عرض ثلاثة نماذج يؤيد مواقف المحتجين فيها.
الجزئية الثانية، وهي الأهم، مرتبطة بطلب العفو حصرياً عن المدانين في قضية اقتحام المجلس، دون غيرهم من المدانين في قضايا أخرى مرتبطة بالاحتجاجات المحلية وما رافقها من تصعيد في حرية التعبير وإبداء الرأي من قبل المغردين، ومن دون المدانين في القضايا المرتبطة بغزو الكويت والتطورات الاقليمية التي لحقته، وما رافقها من تنام للقوى الإرهابية، كقضية «خلية العبدلي». فكما جاء في مقال الفضالة، التهم في قضية مجلس 1938، وأيضا في قضية الشباب القومي، أكثر جسامة من غيرها.
أقولها بوضوح، اقتحام مؤسسات الدولة كمجلس الأمة أمر مرفوض، وكذلك الأمر بالنسبة لتخزين السلاح والتدريب على استخدامه والتخابر مع دولة أخرى، من دون علم وموافقة الحكومة. ولست هنا بصدد تبرئة أو إدانة المدانين قضائيا في قضيتي اقتحام المجلس و»خلية العبدلي»، ولا الذين كادوا بأفعالهم أن يضيّعوا الكويت، ولا المدانين في الأحداث الدموية قبل الاستقلال... فجميعهم إما أنكروا ما أدينوا به، واما برروه بدوافع وطنية.
فالكلام هنا ليس بغرض إعادة محاكمتهم، بل دعوة لمصالحة وطنية «شاملة»، تعزز الاستقرار السياسي، وتنمّي الانتماء الوطني، وترسّخ سيادة الدولة، وتقوّم مفهوم الأمة، وإلا علينا أن ننتظر حتى نفهم ونطبق شعار «الكويت تجمعنا»، فتزول الفوارق الاجتماعية، فنقبل بأن تكون شاملة... «اللهم أرنا الحق حقا وأرزقنا اتباعه».
تعليقات