البلد لا يزال يدور في دوامة الفساد وتتخاطفه المصالح الضيقة لبعض القيادات الحكومية.. هكذا يرى محمد المقاطع

زاوية الكتاب

كتب د. محمد المقاطع 958 مشاهدات 0

د. محمد المقاطع

القبس

الديوانية- الإصلاح السياسي والتنمية البشرية

د. محمد المقاطع


كثيرون هم من يرفعون شعار العمل الوطني والإصلاح السياسي لدينا في الكويت، بل تتزاحم بهم المنتديات والبيانات.. وتتسابق له شخصيات مرموقة وكتل سياسية برلمانية وغير برلمانية.. بل تجد الحكومة نفسها تعزف على لحن الإصلاح السياسي وشعار تكريس العمل الوطني.. ونترقّب انتخاباتٍ تلو أخرى.. وخطباً رنانة.. وتسابقا عريضا في شأن الإصلاح السياسي وتعظيم العمل الوطني، وهكذا تتلاحق الأحداث وتتوالى القضايا، ويقوم كل طرف برفع هذا الشعار المهم والبراق؛ ألا وهو «الإصلاح السياسي وتكريس العمل الوطني».

وما هي إلا أسابيع، بل أيام، بل لحظات، ليكتشف الناس الحقيقة وخواء الشعارات وتبدد حلم الإصلاح وهزال العمل الوطني. وتدلل على ذلك حقائق دامغة، فالبلد لا يزال يدور في دوامة الفساد، وتتخاطفه المصالح الضيقة لبعض القيادات الحكومية أو السياسية أو شخصيات تدعي الوطنية، كل منهم غارق في تكريس مكاسبه الخاصة، مهما كانت طبيعتها (شخصية، طائفية، حزبية، مالية، أو حكومية)، ولا عزاء للمشروع الوطني!

في خضمّ كل ذلك، ندرك لماذا البلد في تراجع سريع وتقهقر؟ فذهبت التنمية البشرية أدراج الرياح، رغم أن العنوان العريض لخطة التنمية الأولى في البلد عام ١٩٨٥ «بناء الإنسان الكويتي»، فبعد أكثر من ثلاثين عاما من ذلك الشعار نجد أننا هدمنا الإنسان الكويتي وقيمه، بدلا من بنائه، فقد تم تحويل الكويتي إلى مواطن اتكالي ينتظر عطايا وهبات، يترقّب قروضا ومساعدات، يهوى التذمّر ولا يبادر، يرغب في المزايا ويطالب بالحقوق ولا يبذل الجهد ولا يحسن العطاء، ولا الوفاء بالواجبات.

غالبا ما يتصدر عمله السياسي بعض القيادات الفاشلة والفاقدة للرؤية والقرار، لا تصلح نماذج ولا قدوات، بعيدة عن هموم البلد وشؤون مواطنيه، تعتمد على المسكنات وتغذي الفساد بكل أشكاله، ومن المؤسف أن تكون الحالة العامة للبلد بهذا النمط من النماذج والقدوات على كل المستويات في معظمها فتسيّدت المشهد العام، سواء في الحكومة أو في مجلس الأمة، أو في الكتل السياسية وحتى في الشخصيات والنخب السياسية، وتوارت عن المشهد شخصيات رجال الدولة التي كان بناء الوطن أولوياتها ولا تنشغل بمصالحها الشخصية عنه، فالمتسيد للمشهد العام قد فرّط في قيم عدة، مُني معها العمل الوطني بكثير من التصدعات والنكبات، فقد ألهاهم الصراع السياسي الصرف وتحقيق المنافع الشخصية عن تعزيز مسيرة الإصلاح وتنمية الوطن، فانشغل بعضهم بضرب بعض، فتحالفوا مع الحكومة كل منهم تارة وبأنماط متفاوتة للنيل من الآخر تحقيقاً لمكاسب ضيقة أو خاصة على حساب الوطن، فقربوا الرفاق أو الأصحاب أو الأقرباء من دون كفاءة أو مؤهلات، وفتحوا دروب الابتعاث الانتقائي والمحسوبية في المؤسسات التعليمية فنخر التعليم، وتسابقوا إلى المناصب والوظائف العامة وفي الشركات الحكومية فطغت الشللية وتآكل معظم المؤسسات بإدارات هشة، وتنكروا لسياسة الاختلاف والخيارات الديموقراطية باصطفافات مشبوهة تتزلف للحكومة وتشي بالمخالفين فتم توظيف تناقضاتهم وتأجيجها واللعب عليها فتم النيل من المكتسبات الدستورية والتضييق على الحريات وتشويه الممارسة الديموقراطية، فصار مجلس الأمة في كثير من الأحيان مصدرا للمشكلة بدلا من أن يكون مدخلا للإصلاح.

وفي أعطاف هذه الظروف والمعطيات وإثر تراكمات من التراجعات التي مُني فيها العمل الوطني، بسبب فشل من كان يعول عليهم، تم إحداث أخطر تغييرات على خريطة العمل الوطني، فتشكل تحالف غير مسبوق بين سياسيين ومتنفذين، صارت غايتهم إفساد المواطن والانقضاض على مقدرات الوطن والقضاء على مشروع الوطن، فظهر المال السياسي وصاحبه إفساد واسع للذمم، وتعزيز الاتكالية بتحويل المواطن إلى شخصية همهما شهادة بلا علم ومناصب بلا قدرات وعمل بلا عطاء أو دوام، علاجه سياحة، وتطلعاته هبات وعطاءات، يعيش رفاهية مكذوبة وتقدم له خدمات مكلفة منهكة للدولة.. بينما المشاريع لا تنجز، وما ينجز هزيل، ولا تنمية حقيقية في بناء الإنسان حتى تآكل الحس الوطني وقيم المواطنة، وصار الفساد ومؤسساته ورموزه هي السائدة، مما جر البلد إلى دوامة صار الخروج منها ليس يسيرا، فهل للخروج من سبيل، إن التغيير ليس شخصا ولا مجموعة، بل هو إرادة شعبية صادقة متجردة، تستوجب أن يتعاضد أناس ومجاميع خارج النمط السائد ممن هم سبب البلاء.. أناس الوطن في قلبهم وأهله غايتهم والله رقيبهم، لا يرجون من أحد ثناء ولا عطاءً ولا شكورا، يأخذون على أنفسهم مسؤولية الإصلاح السياسي بتجرد عن المصالح وتحمل تبعة الإصلاح الذي سيكون ثمنه مكلفا ومرهقا لكنه مثمر ونافع، وأول الإصلاح العزم على تغيير الطبقة السياسية والنخب السائدة، مدخلها تغيير نظام الصوت الواحد، بنظام يجعل المشروع الوطني والعمل للوطن بوصلة الجميع وهو ما يحققه نظام الدوائر الخمس العشوائية بيوم الميلاد المتغيّرة في كل انتخاب بصوت واحد بنظام القائمة المغلقة الشعبية في ترتيبها.. فهلا شمرنا سواعدنا من أجله رغم محاولة أصحاب المصالح المتسيدة للمشهد السياسي إجهاضه؛ لأنه يبدد المصالح الشخصية ويعيد للدولة اعتبارها وللمجلس إرادته المسلوبة، ويحاصر الفاسدين في بؤرهم؟

تعليقات

اكتب تعليقك