مبارك الدويلة يكتب.. 45 يوماً تحت الاحتلال
زاوية الكتابكتب مبارك فهد الدويلة أغسطس 4, 2018, 10:46 م 4352 مشاهدات 0
القبس
ذكريات حقبة سوداء (1 ــــ 2)- 45 يوماً تحت الاحتلال
مبارك فهد الدويلة
لم يتوقع الكويتيون أن الشقيق والجار سيرتكب جرماً بهذا الحجم، خصوصاً ممن كنا نتوقع منه أن يرد الجميل؛ وما أكثر «جمايلنا» عليه! إلى أن مرت الأيام الثلاثة الأولى فاستوعبنا الحدث، وتأكدنا أننا تحت احتلال عسكري غاشم! كما أننا كنا نظن أن الجيش العراقي المحتل كان مرغماً على فعل هذا المنكر إلى أن شاهدنا بأم أعيننا أن أفراده كانوا يمارسون الجرائم والمنكرات برضا نفس وبدم بارد، لكن الشعور الذي استمر مع الصامدين إلى آخر يوم هو إيمانهم بأن الكويت ستعود إلى أهلها، وأن جابر الأحمد – عليه رحمة الله – سيجلس مرة أخرى في دسمان، وستعود الطيور المهاجرة إلى أوكارها، وسنفتح دواويننا من جديد.. وفعلاً تم هذا بفضل الله ثم بفضل الأشقاء الذين حافظوا على الأخوة والجيرة، وكذلك لا يمكن لعاقل أن ينسى دور دول التحالف في حسم المعركة العسكرية.
خلال الخمسة والأربعين يوماً التي مكثتها تحت الاحتلال، حدثت مواقف معي شخصياً سأسرد بعضها لعل في ذلك منفعة.
* في اليوم الثاني من الاحتلال العراقي، وبعد أن شاهدنا الفوضى تعم كل مكان، بادر الكويتيون إلى تنظيم أنفسهم وإدارة شؤون حياتهم بأنفسهم، فالمحتل طرد الشرعية ولم يمارس دورها في إدارة البلد، بل ترك شريعة الغاب تسيطر، من نهب وسلب وحرق وقتل وجرائم من كل نوع، وكنا نشاهدها ولا نملك أن نوقفها، لذلك تجمعنا نحن أهالي العمرية في مسجد قطعة 3، وكلفوني إدارة الاجتماع، وطلبت ممن تجاوز الخمسين أن يغادر لحاجتنا إلى الشباب، وقسّمنا أنفسنا إلى لجان متعددة؛ فلجنة مختصة بتنظيف الشوارع وحرق النفايات، وأخرى أمنية لوقف السرقات، وثالثة لإدارة شؤون الجمعية التعاونية، ورابعة للمقاومة المسلحة؛ لأننا في البدايات كنا نتوقع الأمر «سهود ومهود»! والفضل بعد الله يعود إلى هؤلاء الشباب الذين خففوا من معاناة الصامدين، على الأقل في الأسابيع الأولى قبل أن يبطش المحتل من جديد.
في منطقة الرابية عقد نفس الاجتماع في مسجد الجمعية، وتم تسجيل أسماء الشباب المتطوعين، وكان يدير الاجتماع الأخ فيصل الدويش وضابط كويتي آخر من أهل الرابية، ولكن بعد يومين ظهر هذا الضابط في التلفزيون يطالب الكويتيين ببيعة المحتل! ولعل هذا من أسباب تفريغ الرابية من أهلها خوفاً على سلامة أبنائهم.
* في أثناء الأيام الأولى قام أبناء مهنا العدواني بتدبير مخبأ آمن لوزير الإعلام آنذاك الشيخ جابر المبارك (رئيس الوزراء اليوم)، وكان المخبأ في المنزل الملاصق لمنزلي في العمرية، وقرروا إخراجه إلى السعودية، بعد أن أصبح الوضع محرجاً أمنياً وبسيارة يقودها سلطان مهنا العدواني، وفي اليوم نفسه دبرت سائقاً رشيدياً لأحمد السعدون (رئيس مجلس الأمة السابق) يعرف الطرق البرية وتم تزويدهم بهويات مزورة وخرجوا في اليوم نفسه ووصلوا بفضل الله إلى الحدود السعودية.
* في نهاية أغسطس جاءني في بيتي عضو مجلس أمة سابق، وكان من الكويتيين القلائل الذين ينتمون إلى حزب البعث، وقال لي بالحرف إن العراقيين طلبوا منه أن يعرض علينا تشكيل حكومة تدير البلاد! وكان واضحاً أنه يقصد المعارضة السياسية في ذلك الوقت، وعندما سألته: هل عرضت هذا الأمر على أحد قبلي؟ قال: لم أجد حتى الآن إلا حمود الرومي وجاسم العون. وقد عرضت عليهما ما سمعت فرفضا! فقلت له: ليس عندي أكثر مما سمعت منهما! إننا نختلف مع حكومتنا على طريقة إدارة البلد وليس على أحقيتهم في الحكم! إننا لم ولن نقبل بغير آل صباح حكاماً للكويت؛ فهم عنصر الاستقرار لهذا البلد. ثم قال: والله يا أخ مبارك قلت لهم ذلك، لكنهم ألزموني بتوصيل هذه الرسائل، رحمه الله.
ولقد حاول البعض التشكيك في مصداقية هذه الحادثة، وجاء تصريح الأخ جاسم العون مؤكداً لها.
* في السادس من سبتمبر ذهبت إلى الشيخ فهد صباح الناصر في منزله بالأندلس، وتسلمت منه صندوقي ذخيرة وبعض الأسلحة الخفيفة ودفنتها في حديقة جاري، الذي لم يكن موجوداً، وفي الصباح شاهدت أكثر من ثلاثين جندياً من أصحاب القبعات الحمراء ينبش تراب الحديقة ويخرج الأسلحة والذخيرة وكنت أنام في المنزل نفسه واقتادوني إلى السجن مع مجموعة كبيرة من شباب العمرية، ومن الغد كانت زوجتي في مستشفى هادي وتم إجراء عملية قيصرية لها لتأتي بابني سالم في هذه الظروف العصيبة، لكن إرادة الله غلابة.
* غداً نكمل بإذن الله عن دور الإسلاميين في غزو العراق للكويت للرد على تلفيقات بعض الخصوم الذين لا يتّقون الله في خصومتهم.
تعليقات