ما بين تركيا وإيران.. يكتب حامد الحمود
زاوية الكتابكتب د.حامد الحمود أغسطس 1, 2018, 12:06 ص 3601 مشاهدات 0
القبس
ما بين تركيا وإيران
د. حامد الحمود
شاركت في مؤتمر أعمدة الأمة الأربعة الذي عقد بدعوة من منتدى الفكر العربي في عمان في 22 تموز/يوليو الماضي. وفي المؤتمر، دعا رئيس منتدى الفكر العربي – الأمير الحسن بن طلال – إلى تأسيس المواطنة الحاضنة «التي تسهم في إعمار البلاد والتي تحافظ على التوازن المعرفي أسوة بالعرقي والديني». ونمت فكرة المؤتمر من دوافع سامية من مثقفين عرب وأكراد وفرس وأتراك لتأسيس حوار فكري يستذكر ما قدمه علماء وفلاسفة وفقهاء من هذه الأمم الأربع إلى المخزون المعرفي للحضارة الإسلامية. وكما دعا الأمير الحسن، فإن الهدف من الحوار هو المساهمة في «إيجاد نظام إنساني عالمي جديد يشمل مفاهيم حقوق الإنسان التي تستند إلى الكرامة الإنسانية كجزء وازن من منظومة الأمن، باعتبار أن الأمن الحقيقي هو الكرامة».
وتميز المؤتمر بحضور كثيف من العرب والأكراد. والأخير جاء من كردستان العراق وتحدث باللغة العربية. كذلك تحدث باللغة العربية ممثل إيران الذي كان من بينهم سفير إيران في الأردن. أما الأتراك، فتحدثوا بالإنكليزية. وينعكس على منطلقات الحديث، الوضع السياسي الحالي لهذه الأمم الأربع. فهناك تشابه بين رؤى الأكراد والعرب، والذي ربما ينطلق من الإحباطات التي تعيشها هاتان الأمتان. وهذا التشابه بينهما يرجع إلى عدم توافر استراتيجية واضحة للعرب والأكراد مقارنة بالإيرانيين والأكراد. فعلى الرغم من أن للعرب 22 دولة وليس هناك دولة واحدة للأكراد، فإن غياب الرؤية التي تتشكل فيها استراتيجية لكل من العرب والكرد كما هي عند إيران وتركيا يوحد ما بينهما. ولكن توافر استراتيجيات لا يعني تحقيق النجاحات المستقبلية، فإيران تعاني عزلة عالمية وتدهورا في الاقتصاد وعدم استقرار. بينما استطاعت تركيا أن تخلق نموذجاً لدولة جاذبة اقتصاداً وسياسة ومجتمعا.
ويبدو أن تركيا حتى لمن يتذمرون من سياسات ومواقف أردوغان تظل جاذبة، حتى أن مدى جاذبيتها أخذ ينافس اقتصادات مثل دبي والأردن. فخلال المؤتمر – وأثناء تواجدي في عمان – التقيت عراقيين وأردنيين وسوريين ممن جربوا النشاط التجاري في كل من دبي والأردن. ولقد كان هناك اجماع بينهم بأن ما توفره تركيا للمستثمر لا توفره دولة في المنطقة. فأشار مستثمر عراقي إلى أن تركيا توفر الفرص والمجال والتسهيلات للجميع، وتشعرك بأنك في وطنك وفي مدة وجيزة.
عندما نقارن بين تركيا وإيران، فإننا نقارن بين نموذجين بدآ عام 1922 و1979. بين نموذجين: علماني قاده كمال أتاتورك، وآخر قاده الخميني. فحزب التنمية والعدالة – الإسلامي التوجه – لا يجرؤ على تحدي جذور علمانية أتاتورك، إنما استطاع أن يخفف من عصبيتها. تركيا الدولة غير النفطية يزيد دخلها القومي على 800 مليار دولار، بينما إيران النفطية يبلغ دخلها القومي حوالي 500 مليار. والأهم من ذلك هو نوعية الحياة في هذين البلدين. فتركيا تجذب جميع مواطني المنطقة، إن لم يكن استثمارا فسياحة. أما إيران، فبعد تغلغل النظام الديني عام 1979، قضت على نفسها كوجهة سياحية. وأصبح حتى المتعاطفين مع سياستها المذهبية يزورون قبور الأولياء فيها لكنهم يشترون شققاً في تركيا.
لذا، فعندما نقارن بين تركيا وإيران، فإننا نقارن بين نظام يدعو إلى الاستثمار في الحياة الدنيا اقتصاداً واستمتاعاً.. أما الثاني – النظام الإيراني – فمنذ عام 1979، فلم ينفك عن تعظيم الموت من أجل حياة أخرى. لذا فالخيار بين النظامين والدولتين، يبدو كخيار بين العمل من أجل السعادة، وآخر بين العمل بألم من أجل ما بعد الحياة.
تعليقات