كيف يختار الطالب تخصصه بعد الثانوية العامة؟.. يتسائل حامد الحمود
زاوية الكتابكتب د.حامد الحمود يوليو 10, 2018, 10:51 م 1465 مشاهدات 0
القبس
كيف يختار الطالب تخصصه بعد الثانوية العامة؟
د. حامد الحمود
عند نهاية كل عام دراسي، وبعد إعلان نتائج الثانوية العامة، أفكر بالعوامل المؤثرة على الطالب في اختيار تخصصه الدراسي. كم هو من الأهل أو الثقافة العائلية وكم هو من الاستاذ وكم هو من الأصدقاء المقربين؟ وفي هذا المجال أود مشاركة القارئ، أو بالذات الطلاب، في تجربتي، التي مضى عليها 47 سنة. لقد تغيرت الحياة، لكن العوامل النفسية المؤثرة ما زالت سائدة.
فقد حصلت على معدل أهلني لنيل بعثة لدراسة الطب في الجامعة الأميركية ببيروت. وقد وصلت إلى الجامعة الأميركية بالصدفة. فتميزت مع آخرين في الكيمياء والأحياء والفيزياء، وكان بودي أن أدرس الطب، لتأثير مدرسي مادة الأحياء في ثانوية الفحيحيل، عندما كنت في الصف الثالث الثانوي والرابع الثانوي، فقد درسني الأحياء في الثالث الثانوي أستاذ سوري متميز من عائلة جلاد، ومنه سمعت لأول مرة عن الفيروسات، وكيف أن الفيروسات لكي تتكاثر تحتاج إلى DNA من خلية لكائن آخر، قد يكون هذا الكائن بكتيريا أو إنسانا. فقد أعجبت كثيراً بالفيروس وقدرته على الاستمرار بالحياة بالتطفل على DNA لخلية أخرى. وفي الصف الرابع الثانوي، درسني الأحياء الأستاذ عبدالرحمن شكري سويرجو، الذي جاء إلى الكويت من غزة، لكنه أصلا من عسقلان التي هجرته عنها النكبة كذلك. كما كنت أحب الرياضيات لتأثير الأستاذ محمد المدهون، الذي له القدرة، رحمه الله، على أن يحول المتخلف بهذه المادة إلى متفوق بها. كما جذبنا الأستاذ حامد من مصر الى الكيمياء بتقريبه الى عقولنا تفاصيل التفاعل الكيميائي.
هذا النوع من المعلمين كان سبباً في تفوقنا، فقد جمعوا بين قوة الشخصية وحبهم لمادتهم وإخلاصهم في تدريسها. لكن ما هي الصدفة التي جعلتني التحق بالجامعة الأميركية، فالحقيقة كنت ضائعاً، لا أدري أين أدرس؟ لكن بالتأكيد سأدرس خارج الكويت، لأن معدلي يؤهلني للحصول على بعثة. وبعد ظهور نتائج الامتحانات التقيت في ديوان المسعود الفهيد بالمربي الفاضل وزير التربية السابق المرحوم خالد المسعود الفهيد. فسألني المرحوم أبو أسامة: «ها حامد.. وين راح تدرس؟»، فأجبت: «بودي أن أدرس طب لكن ليس في القاهرة… بودي في أوروبا أو أميركا، لكن بعثات الطب محصورة بالقاهرة». فأجاب المرحوم أبو أسامة: «روح للجامعة الأميركية في بيروت… سأكلم الأخ عبدالله المفرج روح له غداً».
وفي وزارة التربية التقيت بالأخ الفاضل عبدالله المفرج «أبو إبراهيم»، الذي أصبح في وقت لاحق وزيراً للعدل. وبعد أن عرف سبب قدومي إليه، خاطبني: «ما أنصحك في الجامعة الأميركية في بيروت… قبول الطب صعب فيها»، ثم أضاف «هذا عندنا عبدالله الحميضي، وهو من أكثر الطلاب الكويتيين تميزاً، ومع ذلك لم يقبل في الطب، فأكمل دراسته بالكيمياء». لكني أبديت إصراراً على التوجه لبيروت، واكتشفت بعدها أني لم أكن وحيداً، فكان في دفعتي الزميلة لمياء حيات، التي أكملت دراستها في الكيمياء الحيوية، وما زالت أستاذة لهذه المادة في جامعة الكويت. هذا وفي عام 1973، تعرفت على الأخ عبدالله الحميضي في بيروت، بعد أن جاء من جامعة ولاية أوهايو، ليكمل الماجستير في الكيمياء في بيروت. ثم تزاملنا في العمل في شركة صناعة البتروكيماويات.
ولقد كان الأخ الفاضل عبدالله المفرج محقاً. فالقبول في مرحلة ما قبل الطب سهل نسبياً. لكن القبول في كلية الطب موضوع آخر، حيث يتنافس حوالي 400 طالب على 40 مقعداً. فبعد سنتين كان عليّ أن أزور أبا ابراهيم مرة أخرى، لكي أحصل على موافقته بالتحويل الى دراسة الهندسة في جامعة ميتشغان. وكان متفهماً بعد أن أدعيت أن هذه الجامعة قد قبلت جميع الكورسات التي أخذتها في بيروت.
لذا في النهاية لا بد من التوضيح، مع أن العوامل التي تحدد توجهات الطلاب مختلفة، الا انه يبقى هناك نوعان أساسيان من الطلاب، طلاب يعرفون بالضبط ما يريدونه، وطلاب لا يعرفون بالضبط ماذا يريدون، ليس من الدراسة فقط، وانما من الحياة. وكنت أنا من هذه الفئة الأخيرة.
هذه الفئة الأخيرة قد تضيع بعض الشيء في تجربتها لخوض غمار الحياة، لكنها تكتشف أكثر وتتشكل لديها رؤى أوسع. لكن لا بد من الاعتراف أن الأطباء والمهندسين والمحامين والاقتصاديين المميزين أكثر الاحتمالات يأتون من الفئة الأولى من الطلاب، هؤلاء الذين يعرفون ماذا يريدون.
تعليقات