بمن نثق في العصر الرقمي! - يكتب د. محمد الرميحي

زاوية الكتاب

كتب د. محمد الرميحي 1108 مشاهدات 0


في رمضان قبل الماضي أعلن مدون معروف على وسائل التواصل الاجتماعي في الكويت، ان هناك كنزا بآلاف الدنانير، مدفون في الصحراء في مكان حدده، وان ذلك المبلغ «حلال» لمن يبحث عنه ويجده، وفي تلك الأجواء الحارة، توافد على الموقع مئات من الباحثين عن الثروة وادوات الحفر في ايديهم وقلبوا تلك البقعة من الصحراء الى حفر، كان منظرا لافتا وغريبا بل مرعبا للبعض، طبعا لم يجد احد اى مبلغ مدفون، إلا أن الظاهرة كانت لافتة للنظر، فكيف يتوافد على المكان كل هؤلاء الناس، من الرجال والنساء، بسبب خبر على وسائل التواصل الاجتماعي، المؤسسة الرسمية ايضا قلقت من هذا العدد الكبير واعتقدت ان المدون الذي دعا لمثل تلك الترُهات هذه المرة، يمكن ان يدعو لقضايا اكبر واعظم، وربما تمس الامن الوطني في المستقبل، اخذ المدون للتحقيق، واتهم بالعمل على تخريب البيئة بسبب الحفر الكثيف من الناس، وفي النهاية تبرعت شركة بعدد كبير من الاشجار لزرعها في تلك الحفر، وقد تم ذلك، وكفى الله المؤمنين شر القتال ! على مقلب آخر تقدم احد الاشخاص « المشهورين نسبيا» ببلاغ الى النائب العام، انه وقع ضحية تزييف، وسحب من حسابه فى البنك ما يعادل خمسين الف دولار، والقصة ان احدهم اتصل به وأبلغه انه يتحدث باسم البنك «الفلاني» وذكر له اسم احد كبار البنوك فى الكويت، وانه ربح مائة الف دينار، ويرغب المتحدث فى ان يرسل له رقم حسابه، «زغلل» عين صاحبنا ذلك المبلغ ، وتم بالفعل ارسال رقم الحساب، وما هى إلا ساعات حتى سحب من حسابه ذلك المبلغ الضخم! بل ان بعض البنوك وقع فى فخ ذلك التزوير، كما تعرض بنك آخر فى الكويت اواخر العام الماضى لسحب عدد ضخم من الاموال ولكن بما يقل عن 25 دينارا فى كل مرة، لان نظام البنك لا يسجل إنذارا للزبائن عن السحوبات التى تقل عن 25 دينارا!، لذلك لم ينتبه احد، الا بعد ان «فات الفأس فى الرأس» وحذرت فى وقت لاحق السلطات فى الكويت المستهلكين بألا يسمحوا للبائعين فى المحال التجارية، أن يمسحوا بطاقاتهم الائتمانية بجهاز المعلومات فى المحل، لان ذلك يمكن ان يسمح لاحد ان يسطو عليها ويسحب مالا من المودع دون علمه، وعادة ما تحرص المحال او بعضها على أن تمسح البطاقة بماسح ضوئى من اجل الاحتفاظ بمعلومات عن العملاء، الا ان ضعاف النفوس يمكن ان يستغلوا ذلك! النصب الإلكترونى اصبح ظاهرة عالمية لها عصابات دولية وشبكة من المستفيدين، وطرق نعرفها ولا نعرفها، بل ان تلك الطرق تتجدد وتتطور، كلما اقفل عليها باب فتحت ابواب اخرى فيما يمكن ان يسمى الاجتياح الشرس فى العصر الرقمي، ما عليك كى تعرف قصصا مماثلة او غريبة، إلا ان تفتح الموضوع فى مجلس يضمك مع عدد من الاصدقاء، فسوف تسمع تقريبا من كل واحد منهم قصة ما، مفادها انه وقع فى حبائل نصاب او نصابة بشكل ما فى وقت ما! وتحولت وسائل التواصل الاجتماعى الى مصيدة ومكان ابتزاز، بل استخدمت تلك الوسائل فى الاعمال السياسية كما حدث لسيدة عراقية محترمة، رشحت نفسها للانتخابات الاخيرة، فتم تزييف مقطع مصور لها وهى فى اوضاع غير محتشمة, كان واضحا لمن يعرف، ان ذلك الشريط «فوتوشوب» ولكنه انطلى على جماهير واسعة، وبالتالى فقدت فرصتها فى السباق الانتخابي، هناك قصص فى فضائنا العربى وفى الفضاء العالمى تزخر بها صفحات الإجرام وينبه لها الآباء والأمهات، ولكنها مع ذلك تتكرر تقريبا يوميا، أما اسوأ الأسوأ فهو التدليس بأنواع من الأدوية، التى تضلل الجمهور وتؤدى الى الموت فى احيان كثيرة، يلعب الوضع النفسى دورا مهما فى إغراء البعض بالثروة او بغيرها، وتنتعش عند بعضهم قوى الجشع والشر، او أمل الشفاء فيندفعون مصدقين ما يكتب لهم دون تمحيص، بجانب الدافع النفسى يأتى الوضع الثقافي، او ما يمكن ان يسمى بالوعى الاجتماعي، فمن يفتقد ثقافة المعرفة ويصدق كل ما يكتب له او يرسل اليه من أشرطة مصورة او اخبار، يقع بسهولة فى الفخ المنصوب اليه دون الكثير من التردد.

كما أوردنا من امثلة سابقة، لا يوجد علاج ردعى لمثل تلك الأحداث، حتى لو غلظت النصوص القانونية وفتحت السجون، تبقى القضية قضية ثقافة، منها المتابعة اللصيقة للابناء فى تعاملهم مع وسائل التواصل الاجتماعي، بعض الاسر ترى ان وجود تليفون محمول ذكى عند الابن او الابنة وحتى القاصر منهم، ربما يشكل حماية لهم فى الاوقات الحرجة، التى قد يقعون فيها وذلك طبيعى إلا ان عدم المراقبة الدقيقة والذكية، قد يحول ذلك الجهاز الى مصيدة تقود الطفل الى مهاوى التهلكة بحسن نية، فى هذا العصر الرقمى المعقد بمن نثق فى وسائل التواصل الاجتماعي، ورغم اهميتها فى العصر الحديث الا ان استخدامها دون وعى بالمخاطر يعرض الافراد والمجتمع الى مشكلات عميقة، إنسانية وقانونية ومالية، ويجدر بمتخذى القرار فى مؤسساتنا التعليمية أن يفردوا منهجا تعليميا بعنوان: بمن نثق فى العصر الرقمي؟.

تعليقات

اكتب تعليقك