منطلقا من أحداث الاعتقالات.. غانم النجار يكتب عن الخيط الرفيع بين الهيبة والخيبة
زاوية الكتابكتب إبريل 18, 2009, منتصف الليل 583 مشاهدات 0
الخيط الرفيع بين الهيبة والخيبة
د. غانم النجار
ليس هناك جدال في حق الحكومة في حماية أمن البلد، وأمن الدولة، على أن تقوم بذلك في إطار القانون، ودون افتئات، وتعسف، وفي إطار المبادئ الدستورية، التي تحافظ على الحريات العامة.
إلا أن الملاحظ على الهبة الأخيرة، التي نراها هذه الايام، سواء باعتقال المرشح خالد الطاحوس، أو أخيراً بالقبض على المرشح ضيف الله بورمية، والتلويح باعتقال آخرين، لإدلائهم بآراء، بغض النظر عن ماهيتها، أنها تجري في إطار الانتخابات. فمن غير المفهوم مثلا، التركيز على محاربة حرية التعبير، والتغاضي بل، والتساهل، إن لم نقل التشجيع للانتخابات الفرعية، دون أن تحرك أجهزة الامن ساكنا. ولسنا في حاجة إلى التذكير بتقاعس الحكومة عن تطبيق وتنفيذ قوانين كثيرة، منها على سبيل المثال لا الحصر، منع التدخين في الاماكن العامة، وإلزام قائدي السيارات بارتداء حزام الامان، ومنع التحدث بالهاتف النقال اثناء قيادة السيارة، علما بأن السيارات، وإلى حد كبير بسبب ذلك التهاون الحكومي، تحصد أرواح المئات من البشر وتوقع آلاف الجرحى كل سنة. فهل الإدلاء بآراء، أيا كانت تلك الآراء، أكثر خطورة من إزهاق الارواح.
وحتى لو كان في تلك الآراء ما يوصف بأنه صفيق، أو تافه ، أو تحريضي، فإن التعرض بتعسف لتلك الآراء في حقبة الانتخابات، هو من قبيل التدخل والتأثير على مسار حرية الانتخابات، واستقلاليتها، ونزاهتها. وحتى إن تم استخدام القانون، حيال بعض مطلقي تلك التصريحات، فإنه من المفترض، ألّا يتم التعسف فيه، ومن ثم إطالة أمد احتجاز الاشخاص المعنيين، ما يثير أجواءً غير صحية.
وهكذا فإن الدستور لايمكن أن يتم التعامل معه كواجهة لأحد المحال التجارية، نختار منه ما نشاء، وما يعجبنا، ونتغاضى عما لا يعجبنا. الدستور كل متكامل، إما أن تلتزم به كاملا، أو ترفضه كاملا، ومن يُرِدْ أن يغيره، فعليه القيام بذلك عبر مجلس الامة بأغلبية ثلثي أعضائه وموافقة سمو الامير حفظه الله.
كذلك فإن الدستور ليس 'كالظواهر السلبية'، التي تم خلقها كمصطلح من قبل نفر في مجلس الامة، دون أن يعرفوا ما هي، ومازالوا يسعون إلى عقد مؤتمر لمعرفة ما هي والتعرف عليها، فالدستور مبادئ واضحة لا لبس فيها، فإن التبس منها شيء يتم اللجوء إلى المحكمة الدستورية.
كما أن الدستور ليس عادات وتقاليد، تتغير بتغير الفصول، ويستجد منها الكثير ويضمحل منها الكثير، ويختلف الناس حول ماهيتها، ومضامينها، وهي في كل الاحوال غير ملزمة.
كما أن الدستور ليس كالفتاوى المجتزأة، التي تتلاعب فيها آراء وأفكار، وأهواء فتصدر الفتوى ضد الفتوى، على قياس أصحاب هذا الاتجاه أو ذاك، وربما حتى المصالح، ويكفي ان نقول إن هناك فتاوى صدرت بعدم جواز تحرير الكويت من الغزو، وكررها أحدهم أخيرا في زيارته للكويت، وفتوى أخرى تقول بعدم جواز المشاركة في مجلس الامة، وأن المجلس ليس إلا طاغوتا، وأن من يدخله، ويشارك فيه كافر. ولسنا في حاجة إلى التذكير بكيفية تصادم الفتاوى بشأن قانون الاستقرار الاقتصادي والقروض في المجلس الماضي.
خلاصة القول هي أن الدستور ليس من ذلك النوع من الاحاديث الملتبسة، وعلى الأخص في حمايته لحرية التعبير، فهي حماية مطلقة، وبدون إما، أو لو أن، أو حيث إن، أو ربما. وليس من المناسب أو المقبول أن تصريحا هنا أوتصريحا هناك سيهز هيبة الدولة، حتى لو كان الكثير من تلك التصريحات والأقوال فارغا أو صفيقا أو تافها.
إن التمسك بالحريات العامة والدفاع عنها تحديدا، حتى لو كرهنا بعضها، وحتى لو لم نحب من قالها، هو المؤشر الأوضح لهيبة الدولة، أما ماعدا ذلك فهو ليس إلا خيبة مدوية، وطريقا مفتوحا لجمهورية جورج أورويل الخيالية 'مزرعة الحيوانات'.
على المدى القصير، وكرغبة في استعادة هيبة مفقودة، قد يتصور البعض أن التعسف في احتجاز شخص ما لأنه قال، أو تحدث، أو صرح، شيء مريح، بل قد يتصور البعض أن ذلك الفعل يصب في خانة استتباب الأمن، إلا أن المضي في هذا السبيل يفضي الى طريق واحد، معروف، مكرر، جربناه سابقا، وخبرنا نتائجه القاسية على الوطن منذ صيف 1986 حتى الغزو، فكانت النتائج كارثية، ومأساوية، فلا هيبةَ دولة استعيدت، ولا أمنَ استتب، بل استباحة وطن، وانتهاك سيادة، وتبعثر الدولة، فضاعت الهيبة وحلت محلها الخيبة، وليحفظ الله البلاد من كل مكروه.
تعليقات