قبل أن تتلاشى.. فالكويت أهم.. برأي محمد المقاطع
زاوية الكتابكتب يونيو 4, 2018, 11:46 م 1748 مشاهدات 0
القبس
الديوانية - قبل أن تتلاشى.. فالكويت أهم
د.محمد المقاطع
قبل أن تتلاشى، شعار أكبر بكثير من أن يكون وليد ردة فعل أو تصرف عابر أو حالة طارئة، إنها دعوة وطنية مخلصة تحمل في ثناياها محاولة القضاء على كيان الدولة، من خلال إعلاء كيانات أخرى أو الاصطفاف خلفها وزرع الفرقة والتنازع بين أبناء البلد الواحد، البلد الذي عرف بتلاحمه وتماسكه وفشلت كل محاولات اختراقه الخارجية والداخلية. بلد مثل الكويت ولد من رحم معاناة وضنك وضيق عيش في حياة أبنائه الأوائل دفعهم إلى طرق كل مناحي الرزق الكريم والحياة المكابدة لتأمين الرزق، فاشتغل أهله بالسفر والغوص والبناء والصناعة وبناء السفن، وحياكة الملابس والخيم، ورعاية الإبل والغنم، ونقل الماء، وتنقية اللؤلؤ وسك الذهب ونقوشه، وحرف ومهن أخرى، وتبعته المتاجرة لارتباطها بكل ذلك، وهو يدلل على جدية في العمل وبحث عن الرزق الحلال، وهو ما أوجد مجتمعاً منتجاً متكاملاً يوفر لنفسه متطلبات الحياة الكريمة والاكتفاء الذاتي، وقد توّلد عن ذلك مجتمع تعايشت كل فئاته بتناغم وترابط أضفيا سلماً وأمناً اجتماعيين على تعايش أبنائه، وانبثقت منه روح وطبيعة فريدة ميزت أهله قوامها الطيبة والتسامح والانفتاح، مما جعل أبناء المجتمع الكويتي يصبحون في مزيجه مجتمعاً متماسكاً تجمعه وحدة الكيان والدين والمصير المشترك، حتى إذا وصل الأمر للتحول إلى دولة بنمطها المعاصر في العشرينات من القرن الماضي، كان ذلك سهلاً ومتيسراً بوجود شعب متماسك يرى وجوده بالدولة ويرى وجودها فيه، فكان ذلك عاملاً إضافياً لقوة الدولة ومنعتها وقدرتها في الحفاظ على كيانها رغم صغرها وتنوع الأطماع وتعدد الأطراف التي تتآمر على ابتلاعها، لكن ذلك كله فشل وذهب أدراج الرياح أمام تلاحم أبناء الوطن ووحدتهم، بما في ذلك أسرة الحكم التي كانت هي ضمن مكونات الشعب وتتمتع بخصاله وتعيش معه همه وتطلعاته لأنها جزء منه.
وبعد أن انتقلنا للدولة الدستورية في عام ١٩٦٢ استمر الشعب وحالها ووضعها على ما كانت عليها في ما سبق، الا أن أمراً قد اختلف منذ النصف الثاني من سبعينات القرن الماضي، وغير بعض السلوكيات الاجتماعية والحياتية، ومع تزايد الحراك الثقافي والسياسي والاجتماعي بالكويت منذ منتصف الستينات، اتجهت أطراف عديدة للبحث عن أفكار وأساليب وكيانات ترتكز عليها في التطور السياسي الذي شهدته الكويت، فبدأت حالة الاستقطاب ليس السياسي فحسب، بل الاجتماعي والثقافي والفئوي تحديدا، وقد وجد البعض ضالته في الاستقطاب الاجتماعي والفئوي سواء كانت أطرافاً حكومية أو تجارية أو فكرية أو حتى اجتماعية، فصار كل منها منهمكاً في تعزيز مكاسبه بالارتكاز على ذلك الاستقطاب المريض، ونسوا في غمرة سباقاتهم ومغامراتهم غير المحسوبة أنهم إنما يقوضون كيان مجتمع ويأتون على الأخضر واليابس فيه، مما يقود الى تلاشي الوطن وهو الكيان الأهم، وقد تزايدت وتيرة هذا الاستقطاب الفئوي الخطير مع تزايد أهمية مجلس الأمة والمجالس التمثيلية بصورة عامة، فتمت شرذمة المجتمع بتقسيم الدوائر لـ٢٥ دائرة، وكرّست في الدوائر الخمس بأربعة أصوات، وتزايدت بالصوت الواحد بعشر دوائر، وهو ما أوصلنا اليوم إلى حافة الخطر، إذ صارت الفزعة والاصطفاف والاستقطاب الفئوي المناطقي أو الطائفي أو القبلي أو ما شابهه.
هو ما نراه في التعيين بالوظائف، وفي اختيار مناطق السكن، وفي أي عملية انتخابية نقابية أو تمثيلية أو برلمانية، فصار الوطن وكيانه مهددين، والدولة، وبناؤها الدستوري والمؤسسي متآكلين، وتلاشت المواطنة الدستورية، وحل محلها عند البعض الولاء الفئوي المعلول والخطير، وأرى أنه يتحمل مسؤولية ذلك أطراف عديدة في العديد من الطبقة السياسية والنخبة المثقفة والتجار، بل بعض أعضاء بمجالس الأمة، وفي مقدمة كل هؤلاء الأطراف وقيادات بالحكومة، بل والبعض في الأسرة، وقد آن الأوان أن نوحد جهودنا وطاقاتنا لوقف هذا المسار الخطير حفاظاً على الدولة والدستور والمؤسسات والمواطنة الدستورية، بل ولتغيير خطاب الحكومة ومنهجها حتى تعمل على حماية الوطن ووحدته لا قولاً وشعارات، بل عملاً وسياسات، قبل أن تتلاشى الكويت وهي الأهم.
تعليقات