عبد اللطيف بن نخي يكتب.. الشفافية البرلمانية ضرورة إصلاحية
زاوية الكتابكتب إبريل 25, 2018, 11:35 م 3313 مشاهدات 0
الراي
رؤية ورأي- الشفافية البرلمانية ضرورة إصلاحية
د. عبد اللطيف بن نخي
من بين المواقف الخالدة للنائب الراحل نبيل الفضل، محاربته الصريحة للفساد المتسلسل داخل البرلمان، من خلال ممارسته الشفافية البرلمانية. فلم يكتف بكشف الفساد في الجهاز التنفيذي للدولة، بل راقب أيضا نزاهة السلطة التشريعية وفضح تجاوزاتها، حيث صرح مرارا في شأن العديد من الممارسات الخاطئة من قبل أعضاء مجلس الأمة، كان من بينها استغلال الكثير منهم عضويتهم في ترجيح كفة بعض أقاربهم ومجاميعهم الانتخابية من أجل تقلد مناصب قيادية في وزارات ومؤسسات الدولة، على حساب الموظفين الأولى منهم. وبالإضافة إلى التصريحات، وجه الراحل عددا من الأسئلة البرلمانية لكشف العديد من الانتهاكات لمبدئي العدالة وتكافؤ الفرص.
من أشهر صور الفساد البرلماني التي تصدى لها الراحل، مخالفة لمصلحة ابن نائب وظّف في المؤسسة العامة للرعاية السكنية، قبل انقضاء المدة القانونية - سنة كاملة - من تاريخ استقالته من ديوان المحاسبة. ثم بعد مرور خمسة أشهر فقط على تعيينه في المؤسسة، صدر قرار إيفاده في بعثة دراسية، بصورة مخالفة لأطر الإيفاد.
بشكل عام، التصدي لمخالفات النواب أصعب بكثير من التصدي لفساد وزارة يحمل حقيبتها وزير مستقل لا ينتمي إلى حزب أو تكتل سياسيين. فالنائب أقوى من الوزير، وفق العلاقة التي رسمها الدستور، لأنه يحق للأول أن يراقب أداء الثاني وأداء المؤسسات التابعة له. كما يحق له مساءلته وفق مستويات وخيارات دستورية متعددة، ومن بينها الاستجواب ثم طرح الثقة.
ولكن فارق القوة لمصلحة النائب أمام الوزير يتناقص بشكل ملحوظ إذا كان الأخير ينتمي إلى حزب أو تكتل له ممثلين في البرلمان. ولذلك يلجأ الوزراء إلى كسب مجموعة من النواب، لتحصينه من زملائهم. وهذا ما صرح به وزير الصحة والتخطيط الأسبق د. عبدالرحمن العوضي، في شأن حرصه على كسب ولاء خمسة إلى ستة نواب، خلال فترة توليه حقائب وزارية.
لا شك أن مبدأ التعاون بين القائمين على إدارة شؤون الدولة أمر مطلوب، والأمر لا يقتصر على التعاون بين السلطتين التشريعية والتنفيذية. فالمنشود دستوريا هو تعاون وتكامل في ما بين أعضاء السلطة الواحدة، وأيضا مع أعضاء السلطات الأخرى. ولكن هذا التناغم بين أعضاء السلطات الدستورية الثلاث ليس هدفا بذاته، بل حالة مرغوبة للمساعدة في تحقيق الأهداف الإستراتيجية للدولة، ومشروطة بحدود المصالح العليا. لذلك الدستور يطالب أعضاء تلك السلطات، بتوظيف صلاحياتهم في التصدي لفساد زملائهم في جميع السلطات، متى ما ثبت فسادهم. وهذا ما التزم به الراحل الفضل أسد المجلس - كما أسميته في مقال سابق - تجاه صور فساد بعض زملائه، رغم استمرار حرصه على التعاون مع جميع النواب داخل قاعة المجلس وفي لجانه.
في خطوة متسقة مع نهج النائب الراحل، صرح قبل يومين عضو لجنة الشؤون التشريعية والقانونية النائب خالد الشطي، بأن اللجنة رفضت الاقتراحات المقدمة، في شأن تعديل بعض أحكام قانون رقم (16) لسنة 1960 بإصدار قانون الجزاء، لأنها مقيدة للحريات. ولا بد من الاشارة إلى أن تقييد الحريات فساد أشد ضررا على مصالحنا العليا من التعدي على المال العام.
تصريح الشطي خلق حالة من السخط الشعبي تجاه مقدمي الاقتراحات، عبر عنها ضمن موجة واسعة من الانتقادات في وسائل التواصل الاجتماعي، تخلف عنها بعض المرشحين النشطين في «تويتر» لمصالح واعتبارات انتخابية ضيقة.
ولله الحمد نجحت هذه الحملة الوطنية في دفع ثلاثة من مقدمي أحد الاقتراحات إلى سحب اقتراحهم، واستبداله بآخر حددت فيه العقوبة لمن يتطاول على أعراض الناس ويتعرض لهم بالسب والشتم بالسجن بين 3 و10 سنوات. المراد أنه ثبت في هذه التجربة، وفي سوابق أخرى، أن التزام النواب بالشفافية البرلمانية، وترجمة هذا الالتزام في أداء شجاع، يأتي بثماره الاصلاحية.
لذلك أطالب النواب بممارسة الشفافية البرلمانية وتعزيزها في داخل البرلمان وخارجه، واعتبارها مطلبا استراتيجيا لنجاح مكافحة الفساد في البرلمان وفي البلاد. وأدعوهم إلى تقبل ممارسة زملائهم للشفافية، وإن كانت تضرهم مرحليا. وأناشدهم تجنب اللجوء إلى تجريح شخوص من مارسوا الشفافية البرلمانية. فالاحترافية والمهنية تستوجبان تقدير ممارسة زملائنا للشفافية، واعتبارها واجبا دستوريا وليس مجرد حق. وبذلك يفترض أن نشجعهم على الاستمرار عليها، والتأكيد على أنها لن تترك رواسب سلبية على حرصنا بالتعاون الوظيفي في ما بيننا... «اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا اتباعه».
تعليقات