حول الكوارث البيئية في الكويت.. يتحدث عبد اللطيف بن نخي
زاوية الكتابكتب إبريل 11, 2018, 11:50 م 1405 مشاهدات 0
الراي
رؤية ورأي - تأهيل شرطة البيئة وتوعية المجتمع
د.عبد اللطيف بن نخي
شهدنا في الكويت أكبر كارثة بيئية عرفتها البشرية، وفق المؤشرات النسبية المرتبطة بالمساحة الإجمالية للدول، وكانت تلك ابان الغزو البعثي. وبالرغم من أن جرائم تلك الكارثة كانت قد بدأت مع الساعات الأولى من الغزو، ونفذت قبل التحرير، إلا أن أضرارها استمرت لسنوات عديدة، ومن بينها جرائم ما زالت تبث سمومها في الجسد البيئي الكويتي.
بعض التصريحات في شأن حادثة شرطة البيئة، في ثانوية الشيخ جابر الأحمد بمنطقة الجابرية، دفعتني إلى تجديد ذاكرتنا حول التدمير البيئي الذي ارتكب في الكويت، والانهيار البيئي الذي كنا ننزلق إليه في الماضي القريب. ولكن قبل عرض ثلاث صور عن الجرائم البيئية، لا بد من التأكيد على أن بعض مظاهر هذه الجرائم وآثارها السلبية ما زالت مستمرة إلى يومنا هذا.
الصورة الأولى توثق تفجير 1073 بئرا نفطيا، واشتعال 727 بئراً من بينها. كما تتضمن الصورة الأولى جريمة اشعال محطات التكرير والتخزين في كل من منطقة الشعبية وميناء عبدالله، حيث نتج من تلك التفجيرات والحرائق النفطية غيمة سوداء غطت سماء الكويت، وامتدت إلى سماء دول مجاورة، وتسببت في انبعاث كميات مرعبة من الغازات السامة والدخان على مدى يقارب الثمانية أشهر.
كما نتج عن تدمير الآبار 246 بحيرة نفطية على اليابسة، غطت مساحة 50 كيلومترا مربعا تقريباً، لها تأثير سمي على النباتات والحيوانات، فضلا عن تلويث المياه الجوفية، خصوصاً في الجزء الشمالي من الكويت حيث التكوينات المائية شديدة النفاذية.
ويظهر في الصورة الثانية الجيش الصدامي وهو يضخ النفط في مياه الخليج كتكتيك عسكري لمنع أي محاولات للإنزال البحري من قبل قوات التحالف، حيث فتح الغزاة صنابير النفط الخام على الجزيرة الصناعية خلال الفترة من 19 إلى 25 يناير 1991، وأتبعوها بضخ حمولة خمس ناقلات نفط كانت راسية أمام ميناء الأحمدي، وأيضا ضخوا النفط من بعض الآبار القريبة. وبذلك تعتبر هذه الجريمة أكبر حادثة انسكاب نفطي يشهدها العالم، حيث نتج عنها ما يقارب 128 بقعة زيتية قبالة السواحل الكويتية والسعودية، طول الواحدة منها 130 كم تقريبا وعرضها نحو 25 كم.
وأما الصورة الثالثة، فهي تثبت أننا كنا شركاء في تدمير بيئتنا، حين توقفت محطة مشرف عن ضخ مياه المجاري غير المعالجة في 23 أغسطس 2009، واضطرت وزارة الأشغال العامة إلى صرف مياه المجاري في البحر خلال فترة توقف المحطة، التي قاربت السنتين. وهذه الكارثة أيضا تجاوزت الخسائر المادية بمراحل كبيرة، فقد طالت صحة وسلامة البشر، فضلا عن الاضرار البيئية التي خلفتها على الحياة البحرية والنظام البيئي.
في الأيام الأولى من كارثة مشرف، الكل كان يتحدث في شأن تبعاتها وضرورة محاسبة المتسببين. وتحرك عدد من المهتمين بالبيئة لتعجيل تشريع قانون جديد لحماية البيئة، قدم كمقترح بقانون في مجلس الامة في العام 2008، من أجل توفير حماية أشمل للبيئة والأفراد، عبر إقرار عقوبات مغلظة، وتوفير أدوات وآليات من شأنها إشراك جميع أطراف الدولة في جهود حماية البيئة وصحة الانسان، والتمهيد لنقلة نوعية في العمل البيئي.
فعلى سبيل المثال، في نهاية الندوة التي نظمها د. فوزي الخواري بعنوان «كارثة مشرف... الحقيقة والحل»، طالب عدد من الحضور النائب السابق د. علي العمير، بالتعجيل في اقرار المقترح بقانون بصفته أحد مقدميه.
ولله الحمد أقر القانون الجديد في المجلس بإجماع الحضور باستثناء عضو واحد ممتنع، وصدر مرسوم القانون في 2014، وعدلت بعض أحكامه في 2015. وبدأت منظومتنا لحماية البيئة تنمو وتتشكل، بتطور ملحوظ في درجات تعاون الجهات الحكومية وغير الحكومية مع هيئة البيئة، وبتسارع مشهود في جهود إعادة تأهيل البيئة الكويتية وبالأخص تبعات الكوارث البيئية أعلاه.
ولكن حادثة ثانوية الجابرية المؤسفة، دفعت البعض إلى استهداف قانون البيئة، والمطالبة بتخفيف العقوبات المنصوص عليها في القانون، وتقليل السلطات المتاحة لمنظومة حماية البيئة.
بعد تسجيل استيائي من استخدام القوة المفرطة عند تنفيذ القوانين، وتحديدا قانون حماية البيئة، على المخالفين بشكل عام، وعلى المعلمين بشكل خاص، أناشد الجميع التعاطي بإيجابية، وبإجراءات بناءة لا هدامة، مع الحادثة. فهي ومثيلاتها حالات فردية، تؤكد الحاجة إلى تطوير البرامج التأهيلية لحملة الضبطية القضائية وأفراد الشرطة البيئية. وأما توعية المجتمع بالقانون الجديد، فالحادثة المؤسفة حققت ذلك الهدف... «اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا اتباعه».
تعليقات