المطالبة بتوفير المزيد من الحريات في المجتمع عمل حضاري ومطلب إنساني.. برأي عبد اللطيف بن نخي

زاوية الكتاب

كتب 798 مشاهدات 0

د. عبد اللطيف بن نخي

الراي

رؤية ورأي- الحريات والمواءمة الشعبية

د. عبد اللطيف بن نخي

 

بالنسبة لي، جميع مقالات الكاتب عبداللطيف الدعيج جميلة كزهور حديقة كيوكينهوف في هولندا. وكما أن في تلك الحديقة الكثير من الورود التي تتميز بروائحها الزكية عن الزهور الأخريات، كذلك بستان الدعيج أنتج العديد من المقالات البديعة، ومن بينها مقالته المعنونة «الحرية للتاجر... والفقير له الله»، الذي جاء فيها «عندما يتعلق الأمر بحرية الرأي والتعبير، فإن مشكلتنا مع القوى الاجتماعية وليس مع السلطة. من يعتقدون انهم ينتصرون للديموقراطية والليبرالية عندنا، يتحالفون مع المجاميع الاجتماعية المتخلفة، ويتحدون معها لمواجهة بعض الاجراءات السلطوية السطحية والعابرة المقيدة لحرية الرأي. في حين هم يسبغون الشرعية والديمومة على عقائد ومواريث من يتحالفون معهم، ويعززون بالتالي هيمنتهم وسيطرتهم على الرأي العام برمته».

هذه المقالة الوردة تفرز رحيقها من عمق الرأي الذي طرحه الدعيج فيها، حيث كشف الدور القمعي الذي لا يزال يمارسه بعض الذين «يعتقدون انهم ينتصرون للديموقراطية والليبرالية عندنا» من خلال تحالفاتهم مع «المجاميع الاجتماعية المتخلفة» من أجل اقرار مطالبات حقوقية سطحية وموقتة، على حساب مدنية الدولة. فضلا عن تقاعسهم المتكرر عن مواجهة تلك القوى القمعية، خصوصا في القضايا ذات البعد الديني، كما حصل في التصويت على قانون اعدام المسيء.

وأما بالنسبة لتحالفاتهم معها، قد يكون أبرز الأمثلة عليها، هو الاتفاق الذي أشار إليه الدعيج في المقالة نفسها، في شأن إلغاء عقوبة الحبس في القضايا المتعلقة بجرائم الرأي السياسية والاقتصادية، مع التأكيد على استمرار عقوبة الحبس في القضايا المرتبطة بالموروث الاجتماعي والتراث الديني الأحادي.

العالم الديموقراطي يعرّف سجين الرأي بأنه كل شخص تمت ملاحقته أو سجنه على اثر تعبيره السلمي عن معتقداته السياسية أو الدينية الصادقة النابعة من ضميره. وأما في الأنظمة الشمولية والمجتمعات المتخلفة، الدولة تفرض سلطتها على الشؤون الدينية للأفراد، ولذلك تقتصر صفة سجين الرأي فيها على من سجن بسبب رأيه الخاص في شأن سياسي. فلذلك تجد في تلك المجتمعات أن معظم الذين يطالبون بالعفو عن سجناء الرأي السياسي، يصرون على تنفيذ كامل العقوبات على سجناء الرأي الديني، بل فيهم من يطالب بتغليظها إلى حكم الإعدام أو سحب الجنسية والإبعاد.

كما أن في العديد من تلك الدول الدينية، يحق لنظامها السياسي سجن أصحاب الرأي السياسي المعارض بحجة أنهم انتهكوا الحصانة الدينية للنظام السياسي أو أنهم تجاسروا على قدسية بعض رموزه. وغالبا ما يصنف المعارض السياسي في تلك الدول كعدو لله - العياذ به - فيحكم عليه بأشد العقوبات القضائية فضلا عن الاجتماعية.

وأما المجتمعات المنهكة من التطرف، التي بدأت مرحلة التطور السياسي والسعي للتحول إلى المدنية، تكثر فيها الأقنعة الديموقراطية والليبرالية في حفلات التنكر الانتخابية وفي مشاريع التكسب السياسي. فتلاحظ أن المقنعين يتذبذب ويتموج حرصهم على حماية الحريات وصون الحقوق، لأنهم يخشون من رأي الأغلبية ويبالغون في مراعاة المواءمة الشعبية. فتجدهم امتنعوا عن مناصرة سجناء رأي، لأن المطالبات الشعبية بسجنهم كانت واسعة آنذاك، وفي المقابل يطالبون اليوم ويتصدرون المطالبين بالإفراج عن سجناء رأي، لأن هذه المطالبات شعبية. ولا أعني هنا شخصا محددا، ولكنني أشير إلى حالة يجب الحذر منها.

المطالبة بتوفير المزيد من الحريات في المجتمع، عمل حضاري ومطلب إنساني متوافق مع دستورنا ومعزّز لنسيجنا الوطني ومحفّز لتنميتنا المستدامة. ولكن بشروطها، ومنها أن يكون مشروع المطالبة متصلا في بعده الزمني وشاملا في نطاقه ومتكاملا في برنامجه، وإلا سوف تكون له عواقب وخيمة، قد تفوق في خطورتها الفتن التي انهكت لحمتنا واستنزفت مقدراتنا.

كما يجب أن تتضمن الارتقاء بثقافة المجتمع، ليؤمن أن الحريات حق للجميع، لا تمييز بيننا فيها بسبب الجنس أو الأصل أو اللغة أو الدين. وقبل كل ما سبق، يفترض أن يتزعمها حماة الحريات والحقوق من أمثال الراحل نبيل الفضل، الذين لا يخافون لومة لائم، وليس المكبلون بقيود المواءمة الشعبية... «اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا اتباعه».

 

 

 

الراي

تعليقات

اكتب تعليقك