المنابر التي لا تُثَّقف المسلمين وتساندهم في محنهم ومآسيهم لا أعتقد أنها تسير وفق الهدي النبوي.. برأي محمد السداني
زاوية الكتابكتب مارس 30, 2018, 11:41 م 739 مشاهدات 0
الراي
سدانيات- خطبة...
محمد السداني
ما زلت أتذكر جيداً الخطبة التي حضرتها أثناء - الغزو الأميركي - على العراق عام 2003... جئت أجر أقدامي إلى المسجد يوم الجمعة، وأنا مثقل بشعور النوم والكسل والتعب، لأستمع إلى خطبة مثل سابقاتها التي كانت متوافقة مع سياق الأحداث، حتى صدمت بأن إمام مسجدنا أوقف عن العمل لأنَّه خطبَ خطبة ندد فيها بمن يقتل المسلمين ويستبيح بلادهم. وقد عرفت هذه المعلومة عندما بدأ الخطيب بالتحدث بلهجة تختلف عن لهجة شيخنا المعتاد، وبدأ يتحدث عن أحد الصالحين وكراماته التي ملأت الدنيا انبهاراً واندهاشاً، وهذا ما جعلني انسحب من هذا المسجد وأذهب إلى مسجد آخر!
إن الشاهد في هذا الموقف هو انسلاخ المنبر النبوي من مضمونه وأساس نشأته التي وُضع من أجلها، فالمنابر التي لا تُثَّقف المسلمين وتساندهم في محنهم ومآسيهم لا أعتقد أنها تسير وفق الهدي النبوي الذي جعل المنبر منصة ثقافية دينية توعوية أخلاقية تدعم المجتمع الإسلامي بكل ما هو مطلوب لكي ينهض ويبقى ثابتاً محافظاً على قيمه وأصالته، وهذا ما جعلني استبدل المنبر، فلا يعقل أننا نرى المسلمين يقتَّلون في كل مكان ونحن بكل برود نتحدث عن شيء اخر، أو نشاهد اقتحامات اليهود يوميا للمسجد الأقصى والتنكيل بأخوتنا في فلسطين ونجلس لنستمع إلى خطبة مختلفة.
نعم هذا حق مشروع للخطيب ودور توعوي فقهي، ولكن الفقه له مجالاته وحلقاته التعليمية، أما جانب نصرة المسلمين وإشعال الحماس في نفوس الناس وتأصيل القضايا في عقولهم، هو الدور المنوط بالمنبر والخطيب.
ولقد أثير لغطٌ في الآونة الأخيرة حول خطبة لوزارة الأوقاف اختلف الجمهور فيها، بين مؤيد ومعارض للخطبة التي اعتقد البعض أنها تطعن في المرأة - السافرة والمتبرجة، واعتقد الفريق الآخر أنها جاءت بمضامين إسلامية ليست بجديدة. والمهم هنا انقسام مثل هذا الانقسام الذي شهدناه لخطبة واحدة، يدعونا إلى التفكر عميقا في مدى الصراع الفكري الذي يعيشه مجتمعنا وضرورة رسم رؤية واضحة لكيفية التعامل معه.
ولكي نخرج من دائرة صراع التدافع إلى صراع البناء، لا بدَّ علينا أن نخلق بيئة تتقبل كل الآراء باختلاف توجهاتها وميولها ومواردها... بيئة تسع الجميع في الاستماع والفهم والممارسة وذلك أيضا يكون وفق القانون والدين والأعراف لأنَّها ستكون بيئة وليدة لهذه العناصر.
يجب علينا بدلاً من صراع التهم والتشكيك أن نعرف ما هي المشكلة التي نعانيها في فهمنا للصراع! نحتاج أن نفهم أن اختلافنا ليس عداوة ولا صراعا ولا تنافساً، ولا بدَّ علينا أن نؤمن بأن تبني الأفكار يختلف عن تبنينا وتشجيعنا لفرق كرة القدم، فالعصبية للأفكار حالَ اتساقها مع الصالح العام والدين والعادات والقانون، وليس للأكثر تشجيعا وتصفيقا وصخبا.
خارج النص:
- إنَّ الحادث المؤسف الذي شهدته ثانوية جابر الأحمد الصباح بالتعدي على مديرها أمام طلابه شيء يندى له الجبين، ويمثل حقبة جديدة من حقب التعسف باستخدام السلطة، ويجب على وزارة التربية وجمعية المعلمين، ونشطاء العمل التربوي ألا يسكتوا عن مثل هذه التصرفات التي تمثل تعديا صارخا على الجسد التعليمي والتربوي الذي يقاسي الكثير من المآسي بسبب إهمال الدولة لهذا القطاع الحساس.
تعليقات